مناقشة رواية "سلاّم" عن الأندلس لهاني نقشبندي

مناقشة رواية "سلاّم" عن الأندلس لهاني نقشبندي
مناقشة رواية هاني نقشبندي "سلاّم"
-في معرض القاهرة للكتاب-

الخميس 5 فبراير2009
إيلاف

إيلاف من القاهرة:

وجدت رواية سلام اهتماما من النقاد الكبار في معرض القاهرة للكتاب حيث تم مناقشة الرواية بحضور عدد من الصحفيين والكتاب. ورغم أن هذه المشاركة هي الأولى للروائي السعودي هاني نقشبندي ضمن قائمة الأعمال الأدبية التي اختارها المعرض لندواته لهذا العام إلا أنها أثارت جدلا شكل امتدادا لما صاحبها من لغط منذ صدورها قبل 7 أشهر.

فقد غردت الرواية بعيدا خارج السرب لما تطرحه من رؤية جديدة عن تاريخ العرب في الأندلس سيما وصفه لهذا التاريخ بالاحتلال. وبالقدر الذي جذبت الرواية العديد من المعارضين لها فقد أثارت في الوقت ذاته إعجاب بعض النقاد. وعلى حد وصف الناقد المصري فؤاد قنديل الذي أدار الندوة فان رواية سلام رغم بعدها التاريخي فهي رواية مستقبلية بامتياز. وقد أوضح الكاتب هاني نقشبندي هذه النقطة بقوله " بصرف النظر عن مسمى الوجود العربي بالأندلس احتلال كان أم فتح فان الرسالة منها هي التحذير من صدام قد يتجدد قريبا بين الإسلام والمسيحية كما حدث في الصدام الأول يوم دخلت الجيوش العربية إلى اسبانيا".

افتتح الروائي فؤاد قنديل مناقشة رواية "سلام" للكاتب هاني نقشبندي بندوة كاتب وكتاب بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، مُشيراً إلي أن "سلام" هي الرواية الثانية له، وأنه يمتلك ميزة مطلوبة لرصد وتفكيك وتأمل ونقد عالمنا العربي ماضياً وحاضراً ومستقبلا، حيث انتقد في روايته الأولي "اختلاس" العلاقة بين الرجل والمرأة في عالمنا العربي بشكل عام، وفي المجتمع السعودي بشكل خاص، وأوضح أن المرأة العربية بشكل عام تعانى من القهر والحصار والتضييق ونقص الحقوق وغياب التقدير وغياب المشاركة وبالتالي من غياب الحب لدرجة أنه ينتهي في هذه الرواية إلي أنه من المتوقع أن تكون بسبب هذه الأحوال السلبية التي تقلل من شأن المرأة ولا تعطيها الفرصة لاستنفار طاقتها العاطفية والعقلية أن يفضي هذا إلي حدوث شيء من قبيل الخيانة الزوجية التي تتمثل ليس بالمعنى الحسي والمادي، ولكنها بالدرجة الأولي تتبدى في شكل نفسي ومعنوي وعقلي، وأضاف أنها مبادرة جيدة للغاية وتستدعى الرضا عنها والترحيب بها، واصفا الكاتب بالجسارة علي طرحه لتلك الأفكار.

وأضاف: أما في رواية "سلام" موضوع الندوة فهو يفتح العدسات إلي مداها لكي يحاول أن ينتقد نقديا رأينا فيما حدث للحضارة الإسلامية في الأندلس، حيث يعالجها من منطلق نظرته في نقد الأداء والتاريخ العربي والإسلامي ويبين إلي مدى كانت هذه الحضارة حقيقة وإن كانت قد حدثت بالفعل وتركت آثارها الإيجابية علي أوروبا وعلينا أم أننا نعيش في وهم؟ فهو يتصور أن أشياء كثيرة في تاريخنا علي مدى 14 قرنا في حاجة إلى أسئلة ونعيد بحثها وتقييمها وتفريغها من شحنات الوهم وإرضاء النفوس بعد الانكسارات الهائلة التي تعرضنا لها، حيث يرى أنها رد فعل لما تعرضنا له من هزائم، مؤكدا أن تاريخ العرب والمسلمين في الأندلس يحتاج إلي إعادة نظر خاصة أن هذه الفترة ظهر فيها الكثير من النوابغ، فالكاتب يؤكد في روايته أن كل شيء في حياتنا يحتاج منا إلي هذه النظرة النقدية.

من جهته وصف د. الناقد مدحت الجيار الرواية بأنها مفاجأة طيبة في الرواية العربية الحديثة، وأنه قد فوجئ بها وخدعه عنوانها فتصور أنه سيقرأ شيئاً من اللعب على صوتيات الكلمة، لكن الكاتب نجح في استلاب عقله لنصف الرواية دون أن يجد شخصية سلام، وفي الوحدة الثانية وجد عنوانها "سلام" فأيقن أنه قد بدأ مع العنوان وليس مع الرواية، وهذا أيضا نوع من التوفيق في اختيار العناوين أن يكون الإنسان غير قادر على فض زخم الرواية بل على العكس، يظل العنوان نوعا من الإثارة الدائمة وإزكاء رغبة البحث داخل النص حتى نصل إلى ماذا يريد أن يقول الكاتب بهذا العنوان. وأضاف أن الرواية تتناول خروج العرب المأساوي من الأندلس، وتتلخص المأساة في مقولة أم الأمير المهزوم له: "ابك ملكا كالنساء لم تحافظ عليه كالرجال" ومن هذه العبارة تتضح المأساة، لهذا فحينما أشار هاني نقشبندي إلي أن قصر الحمراء حب ودم فلم يجانبه الصواب، وهو يناقش القضية من منطلق العدالة، لهذا فهو يذكر كلمة "العدالة" في كل جزء من روايته، وهذا يعنى أنه يناقش قضية قانونية وإنسانية وفقهية في وقت واحد، وأعلن من البداية أننا وراء سراب نحاول أن نصل إليه وهو سلام، ولكن في الحقيقة هذا السراب انحل حينما عثرنا علي الاسم، ولكننا لم نعثر على اسم الأمير إلا في الورقات الأخيرة من الرواية، وحينما ذكر اسم الأمير وهو "عبد الرحمن" ارتدت الرواية إلي البداية الزمنية لفتح الأندلس علي يد عبد الرحمن الداخل، وارتدت الرواية أيضا إلي الصفحة الأولي التي كتبها الكتب وذكر فيها الأمير ومغامراته.

وقال إنها المرة الأولى التي يقرأ رواية تكون بطولة المكان، فالمكان محدد وهو قصر الحمراء في غرناطة بكل تاريخه وزخمه، لكن حتى يعطينا إحساسا بأنه خارج هذا التاريخ وينظر إليه من الخارج جعل كل الأبطال يتحركون والسارد يلعب معهم هذه اللعبة بضمير الغائب، وكأنه يريد أن يقول إنه ليس منهم، لهذا فإن كل الضمائر المستخدمة في الوصف تتم بضمير هو مما يباعد بين السارد وبين النص المسرود، ويقول لمن يسرد إليه أنه برئ من هؤلاء القوم ولكنه يحكى حكايتهم، وقد نجح في ذلك نجاحا كبيرا، كما لفت إلي أن كل اسم من الرواية له مغزاه ومحتواه مثل ابن برجان ويهوذا بن طيبون وطاهر الغرناطي، وكلها ليست مجرد أسماء. وقال إن ربط التاريخ والواقع لديه شيء بديه، وحياه لأنه لم يخف، وأشار إلى أنه لولا وجود "الموبايل" في هذه الرواية ليمكن أن نتخيل أنها تحدث في أي زمان، وأنه تخيل أن هذه يوميات كتبها هاني نقشبندي لقصر الحمراء، حيث وصف القصر للقارئ وكأنه يراه، مشبها ذلك بما فعله أحمد شوقي حينما وصف نهر البوسفور، وأشار إلى أنه رأى بعض الصور للمكان فوجد أن ما وصفه هاني نقشبندي لم يشذ مطلقا عن الصور الحقيقية.

أما د. صلاح السروي أستاذ الأدب والنقد بآداب حلوان فقد قال إنه قرأ اسم الرواية في البداية "سلام" ثم اكتشف أنها "سلاّم" لكنه عام في النهاية لاعتبار أن اسم الرواية "سلام" والسلام هنا لا يعنى التصالح وتوقيع الاتفاقيات مع الأعداء تقوم على التنازلات، ولكنه يعنى تحديدا محاولة إيجاد حالة من التواؤم والتصالح مع هذا الماضي الذي لا يزال يثقلنا جميعا، ويكبل حركتنا بل ويوجهنا في أحيان كثيرة لأننا قوم ماضويون وهى مقولة للشاعر أدونيس استقاها من هذا التقديس الغريب لما ورد عن الأقدمين، وتلك كارثة حقيقة أن يحكم أمة ماضيها تصبو إليه لا أن تصبو إلي مستقبلها، فالرواية تضرب في هذه الحالة الحضارية بسهم نافذ، وتطرح سؤالا وهو ما النهضة، وكيف يمكن أن ننهض وتتقدم، ووصف الرواية بأنها ذات طابع معرفي إلي جانب كونها ذات طابع فني وجمالي، لكنه أشار إلي أن جودتها الأساسية تكمن في أنها تصطف إلي جانب المنورين مثل طه حسين وعباس العقاد وأحمد لطفي السيد الذين قالوا إلي أين المسير وإلي أين نمضى وكيف يمكننا أن نمضي، وكيف يمكن أن نصنع خلفية تمكننا من الاستمرار في المسير في الحياة علي اعتبار أننا قد حصلنا خبرة ومعرفة من نوع معين.

وأضاف أن الأمر يبدو بشكل عفوي وتلقائي، وتلك براعة القص والقدرة علي الإمساك بزمام السرد والهيمنة والسيطرة علي وعى القارئ ورغبته في المعرفة والمنح الجزئي الذي يعد بالأكثر بين طيات الرواية بحيث لا يجد القارئ نفسه غلا وقد أكمل الرواية، وهذا الأمر هو ما يمارسه هاني نقشبندي، فيبدو الأمر تلقائيا وكأنه غير مقصود مطلقا، بحيث أجد نفسي وقد ورطني هذا الكاتب في أن أري ما لم أكن أتصوره، فإذا به يدهشني ويفاجئني حينما يدخل إلي هذا القصر المعجزة الذي يحوى الأسرار والعوالم والصراعات.. فهل نحن فتحنا الأندلس حقيقة؟ وهل خرجنا منها حقيقة؟ وهل ما بقي في الأندلس هو ملك لنا حقيقة؟.. وهذه الأسئلة تصب في نطاق ما يسمى بتيار المراجعة في الرواية العربية، وهو التيار إلى يتولى مراجعة الماضي القريب، لكن نقشبندي يأخذنا إلي التاريخ القديم لكي يطرح أسئلة كبري ويعيد خلخلة الوعي العربي الذي يقول في ثنايا الرواية أنه يداخله من الأساطير أكثر مما يداخله من حقائق، فالرواية تطرح مشروعا لإعادة إنتاج وعى عربي جديد، أو تطرح أسئلة يمكنها أن تصنع وعى عربي جديد، واختتم بالتأكيد علي أن هذه الرواية علي قدر كبير من الأهمية وإن شابها القليل من المشكلات.

وفي نهاية الندوة علق هاني نقشبندي على ما قيل عن روايته "سلام" فشكر كل من شارك فيها، وأكد أن كل ما قيل في الندوة هو نقد صحيح وصادق، يحمل وجهة نظر الناقد، وأشار إلي أن رواية سلام جاءت نتيجة اهتمامه بقصة الأندلس، حيث اتهمه الكثيرون بأنه يكره الأندلس، مؤكدا أنه يعشق الأندلس ولكنه يقدر التاريخ ويقرأه بشكل جيد، وأوضح أن الرواية قائمة علي أربعة أشخاص فقط وليس فيها أي عنصر نسائي، وأنه بقدر عشقنا بالأندلس بقدر جهلنا بها، وقال إن الهدف من الرواية ليس الحديث عن أن الأندلس كانت احتلالا أو فتحا، لكن هناك هدفا مهما وهو أنها رواية مستقبلية، بمعنى أنها رواية تحذر من أن يتكرر الصدام مع المسيحية، وقال إنه يعيش متنقلا بين العالم العربي والغربي ويري كيف يهددنا هذا خطر الصدام مع الغرب، ولهذا فقد أخذ الأندلس كقصة علي كيفية حدوث أول صدام مع المسيحية، وقد كان صداما قويا وموجودا وقد يتكرر. وأشار إلي أن الرواية تؤكد علي أنه يجب أن نجعل السلام هو القائم بيننا، وأنها تدعو إلي احترام الآخر، فنحن ندعى دائما علي أننا لدينا القدرة علي محاورة الآخر وفهمه، وقال إنه يعتقد أن الأديان بطبيعتها تزدري بعضها البعض وتكره بعضها البعض، فنحن نكره المسيحية ونزدريها والمسيحية تكرهنا لسبب بسيط وهو أن هذه معظمها تاريخ مكتوب أي صناعة بشرية والدين السماوي أكبر من أن يدخل الإنسان في صراعات، وهذا الصدام بين الأديان قد يقود إلي صدام جديد مع المسيحية، وهذا هو ما تدعو الرواية إلي أن ننساه ونتجاوزه، فليس المطلوب هو أن نتحاور مع الآخر، أم أن نؤمن بما يؤمن به الآخر، بل المطلوب هو احترام الآخر، وأبدى أسفه علي أن العرب لا يعرفون شيئا عن الأندلس إلا ما يرونه في التليفزيونات، في حين أن أسبانيا تحتفل هذا العام بمرور أربعمائة عام علي خروج العرب من الأندلس، في حين أنه لم يشاهد أي برنامج ثقافي أو مقال واحد يتحدث عن هذا الموضوع.

http://www.elaph.com/Web/Culture/2009/2/406665.htm

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
	1	2	3	4	5	6
7	8	9	10	11	12	13
14	15	16	17	18	19	20
21	22	23	24	25	26	27
28	29	30