مسجد في قلب الحي الأندلسي العتيق بعد 500 عام من الصمت

مسجد في قلب الحي الأندلسي العتيق بعد 500 عام من الصمت
من ينفض الغبار عن الثقافة الإسلامية في إسبانيا
ملك مصطف=أضواء

تم افتتاح مسجد حي البيازين بمدينة غرناطة الأندلسية في جنوب إسبانيا يوم 10 تموز (يوليو) الماضي بعد أن مضت خمسة أعوام ونصف علي انطلاق أشغال التشييد والبناء التي توقفت في مناسبات عديدة نتيجة لانعدام التمويل لبناء هذا المركز الديني في قلب الحي الأندلسي العتيق الذي أعلنته منظمة اليونسكو (تراثا للإنسانية).

وبمناسبة افتتاح المسجد نظمت الهيئة المشرفة علي هذا المشروع ندوة ثقافية حول الإسلام في أوروبا في قصر المؤتمرات بغرناطة.

وأبرزت مؤسسة مسجد غرناطة أن هذا المشروع تم انجازه بفضل (الالتزام) والمساعدة المعنوية والمادية التي قدمها مسلمون من (مختلف أرجاء العالم) كي يتم (تقديم حقيقة الإسلام أمام الأسبان والأوروبيين انطلاقا من هذه المدينة التاريخية الإسلامية). وبتدشين هذا المركز الديني بعد 500 عاما من (الصمت) فإن الإسلام (ينبعث من جديد في ارض الأندلس التي لم تُنس قط)، حسبما أبرزت الهيئة المشرفة علي مسجد البيازين والتي أضافت أن غرناطة تعود بهذه الطريقة (ثانية لتتحول إلى مركز التقاء أوروبا مع تراثها الإسلامي).

ويحتوي المسجد علي حدائق جميلة ستفتح للجمهور، بقرار من بلدية المدينة، ليقوموا بزيارتها أثناء النهار مبني المسجد ومنه يمكن مشاهدة مجمع قصور الحمراء التاريخية وخلفها سلسلة جبال سييرا نيبادا الثلجية،قد زُيّن بفُسيفساء من الطراز الأندلسي قام بإعداده فنانون حرفيون من مدينة فاس المغربية،و حسب مشيدوه، الذين أقاموا إلى جانب المسجد مركزا إسلاميا سيكون مكان إقامة المؤذن وستنظم النشاطات الثقافية.

ومنذ بدء أعمال البناء في كانون الثاني (يناير) عام 1998، تمكن المشرفون علي بناء هذا المركز الديني من التغلب علي العديد من العراقيل، لاسيما العمرانية منها نتيجة ظهور حفريات أثرية هامة في نفس المساحة المخصصة للبناء، وأخري اقتصادية بسبب رفض الكثير من الجهات العربية التمويل. وفي تموز (يوليو) عام 2001 أمهلت بلدية غرناطة الراعين لمشروع بناء المسجد بعامين كي يستأنفوا تشييده،تفاديا لمصادرة الأراضي.

في آخر المطاف انتهت أعمال البناء وافتتح المركز الديني بعد مرور خمسة أعوام ونصف من تاريخ وضع حجر الأساس.

وقبل ذلك كانت قد مرت 22 سنة مليئة بالخطوب السياسية والاقتصادية التي كانت شاهدة علي عملية بناء هذا المركز الإسلامي الجديد في قلب حي البيازين منذ تم شراء قطعة الأرض المخصصة للبناء عام 1981، بفضل تبرع تقدمت به الحكومة الليبية، تم توالت المساهمات من المغرب وماليزيا ومن مسلمين دفعوا من جيبهم الخاص، وبعد وضع حجر الأساس سنة1996 ، فإن هذا الصرح الإسلامي دفع المسلم الاسباني وعضو جمعية (وقف مسجد غرناطة)، عبد الصمد روميرو، إلى القول إن (الله الرحيم أراد أن تكون الطريق شاقة لكي نتمكن نحن المسلمون الغرناطيون من ممارسة شعائر ديننا الحنيف ونشر الإسلام الصحيح).

المسجد الجديد: مكان للعبادة ولتعليم الدين لم يكن المسجد، علي مدي تاريخ الحضارة الإسلامية، يعد مكانا فقط للعبادة وإقامة الصلاة وإنما أيضا كان بمثابة نقطة التقاء لجماعة المسلمين ولخدمتهم ولتعليم القرآن الكريم والفقه الإسلامي وليكون منبرا عقائديا وسياسيا.

هذا ما عبر عنه أيضا وفسره القائمون علي هذا المشروع، أي أعضاء الجماعة الإسلامية في اسبانيا، ولذا فإن المركز الإسلامي بغرناطة ، مسجد البيازين ــ المقام فوق ارض تبلغ مساحتها 2100 متر مربع ــ ينقسم إلى ثلاثة أجزاء مختلفة ومصصمة من قبل المهندس المعماري المحلي ريناتو راميريث، وهي: المسجد والمركز الثقافي والحدائق.
ويتداخل بانسجام بناء (وقف مسجد غرناطة) بأكمله بتناغم مع محيطه من العمارة التقليدية لحي البيازين، الذي عد منذ سنة 1994 تراثا خالدا للإنسانية. فجدران البناء الخارجية مطلية بالجير (الكلس) الأبيض وفتحاته تظللها أقواس علي شكل حذوة الفرس، وسقوفه مائلة إلى الجانبين وارتفاعه متناسب والأبنية المتاخمة.

ويتسع المسجد لحوالي 400 مصلي ويتألف الصحن من قسم مسقوف وباحة خارجية فيها مكان للوضوء، مزين بالزليج (القاشاني) الضارب لونه إلى الزرقة، كما استخدم فيه الخشب المنقوش من قبل حرفيين مهرة من مدينة فاس المغربية استخدموا فيه الفنون التقليدية ذاتها، التي حملها معهم إلى شمال أفريقيا، الأندلسيون الهاربون أو الذين طُردوا من ديارهم في شبه الجزيرة الأيبيرية.

وتغطي ارض المصلي سجادة حمراء اللون مشغولة صناعيا ومستوردة من دولة الإمارات العربية المتحدة، ويحدد اتجاه القبلة إلى مكة المكرمة محراب مغطي بخشب محفور بإتقان ورخام ابيض منحوت بآيات من القرآن الكريم.
أما أبواب المسجد فقد نسخت بإحكام علي نسق تلك الأبواب الموجودة في دير (موناستيريو) لاكارتوخا بمدينة غرناطة الذي يعود الي القرن السادس عشر، وتم استخدام الخشب الثمين المستورد من المغرب المطعم بالفنون الأندلسية.

وفيما يتعلق بالمئذنة التي سيدعو فيها المؤذن للصلاة خمس مرات باليوم، لأول مرة، فإن طولها يبلغ 14 مترا. وقد أبدي رئيس جمعية (وقف مسجد غرناطة) مالك عبد الرحمن رويث، أسفه لعدم استطاعة تمييز المئذنة، من حيث الارتفاع، عن باقي البيوت الشاهقة المجاورة وان القسم السفلي من كنيسة (سان نيكولاس) المجاورة ينتصب اعلي منها. ويسرد (المولّد الأندلسي) رويث بمرارة أن الفنيين العاملين في بلدية المدينة أرغموهم على الحد بصورة معتبرة من ارتفاع برج المئذنة المقرر أصلا.

وهناك حيز ثان في البناء بحيث يشكل المركز الثقافي الإسلامي الملحق بالمسجد ويتألف من ثلاثة طوابق تشتمل علي المكاتب المخصصة للادارة بالإضافة إلي مكتبة وقاعة محاضرات ومعارض ومكان سكن المؤذن. وأوضح رويث ان المركز الثقافي له ثلاثة اهداف رئيسية: ان يكون محور النشاط الاجتماعي للجالية المسلمة في غرناطة وان يعمل علي تعميق اسس تعليم الاسلام وان يقدم الدين الحنيف لغير المسلمين عبر السعي الي عدم ربط الاسلام بمفاهيم معينة مثل (التطرف) و(الارهاب) او (سوء معاملة النساء).

ومن بين الانشطة المبرمجة لهذا المركز يوضح مدير (الوقف)، عبد الحسيب كاستينييرا، بانه سيقترح اقامة دورات تعليمية للمسلمين ولغير المسلمين ــ اللغة العربية وتلاوة وحفظ القرآن والخط العربي ــ، ومعارض وزيارات موجهة لمجموعات من الطلبة والجمعيات.

في حين يتألف القسم الثالث من مجمّع المسجد من حدائق تماثل جنان الاندلس يتمتع الناظر فيها بجمال وسحر قصور الحمراء وجبال سييرا نيفادا المغطاة بالثلج، وستكون مفتوحة للزوار علي طول اليوم بامر من بلدية المدينة. ويعترف رويث بان هذا الوضع القانوني للحدائق الذي فرضته البلدية يدعو للقلق لانه يجب الاستعانة دائما بخفير يسهر علي وجوب احترام التقاليد الاسلامية من قبل السياح والزائرين، وليس شخصا يكتفي فقط باظهار بوادر الود وان يمنع الشبان من ان يحملوا معهم مشروبات كحولية قد تراودهم فكرة تناولها هناك.

وعلاوة علي ذلك يشتمل البناء علي موقف خاص للسيارات في القبو سيتم تأجير بعض المواقف للتمويل جزئيا، تكاليف الصيانة والانشطة المقررة وفق نظام الوقف (الاحباس) الاسلامي، مما يسمح باستغلاله الي الابد لصالح المؤسسة الخيرية. (نفض التراب عن الثقافة الاسلامية لاسبانيا)

تتكون الجماعة الاسلامية في اسبانيا، المشجعة الفكرية للمسجد الجديد بحي البيازين، بصورة رئيسية من مسلمين اسبان انتسبوا الي (حركة المرابطون العالمية) ابتداء من النصف الثاني للسبعينيات،ومرشدهم الروحي هو الشيخ الاسكتلندي عبد القادر الصوفي المرابط. هذه الحركة التي تضم أتباعا ومراكزا تنتشر في قارات العالم الخمس من مايوركا الاسبانية (جزر الباليار) الي كوبنهاغن الدانماركية، ومن مدينة كيب تاون (جنوب افريقيا) الي ولاية تشياباس المكسيكية.

يشار الي ان (المرابطون )الذين يصفهم المؤرخ الفرنسي بيير غيشار بانهم (حركة مجددة متعنتة في المذهب المالكي)، اقاموا امبراطورية واسعة امتدت من الصحراء وحتي الاندلس في الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر. وعُرف عنهم نشر وفرض اسلام صارم، موافق لسنة المسلمين الاوائل الذين عاشوا في المدينة المنورة بجانب النبي محمد (ص) علي اعتبار ان إتباع السنة، اي حياة واعمال الرسول (ص)، تجعل المرابطون ينهجون النهج الصحيح للاسلام الصافي.

ويحن (المرابطون) في ايامنا هذه لهذا (الاسلام النقي) الذي وجد في المدينة والذي يمكن ان يوجد الآن، بحسب اقوال عبد الحسيب كاستينييرا، لدي بعض الجماعات الصوفية في منطقة سوسة المغربية. ولهذا السبب فإن الامام او المرشد الروحي لمسجد غرناطة الجديد أتي من مدرسة اسلامية في سوسة، وهو المغربي سيدي محمد القصبي الذي يقول عنه كاستينييرا انه فقيه عالم و(غير ملوث) بما علق في الدين من شوائب.

ويدافع المرابطون الاسبان إسوة بمؤرخين مثل اوربينو ارتيتا او ايغناثيو اولاغوي، عن طروحات ألا وهي، ان السكان الذين كانوا يعيشون في شبه الجزيرة الايبيرية قبل وصول الفاتحين من العرب والبربر، قليلي العدد ابتداء من سنة 711 اسلموا عبر عملية سلمية ومتدرجة. ويعتقد كاستينييرا انه (يجب نفض التراب عن الثقافة الاسلامية لاسبانيا)، باعتبار انه علي مدي ثمانمائة عام كان هناك اسلام اسباني بشكل عفوي وبقي طي الكتمان شبه سري خلال القرون الخمسة الاخيرة. وفي هذا الصدد يدافع عبد الرحمن رويث ايضا عن وجوب (العودة لاقتباس فضائل الحضارة الاندلسية بدون حقد، ويجب فتح صفحة بيضاء للتعلم من الاخطاء). ويري (المولّد الاندلسي) المعاصر رويث انه لايعجبه الحديث عن الحضارة العربية لان (الذين بنوا هذه الاعجوبة (اي قصور الحمراء) كانوا غرناطيين مسلمين ولم يكونوا عرب جهلاء لم يمض علي مغادرتهم الصحراء إلا وقت قليل).

والسؤال يطرح نفسه. بعض المحللين يرون ان الاسلام الاوروبي هو الأمل الوحيد لتحقيق اسلام اصلاحي وعصري يحارب التوجهات الاخيرة المتطرفة.

سيسعي جامع البيازين في المدينة العتيقة بغرناطة إلي تشجيع تبادل المعرفة والعمل المشترك مع باقي المسلمين الأوروبيين بغية صقل هوية إسلامية جديدة في القارة القديمة.

وأفادت المؤسسة الراعية لهذا الجامع أن المسجد الجديد يرمي إلي أن يكون بمثابة (صلة وصل) بين المسلمين في غرناطة وإسبانيا وباقي مناطق أوروبا، وبالإضافة إلي هدفه الرئيسي، إقامة الصلاة، سيجري برنامجا واسعا من الأنشطة عبر مركزه الإسلامي المكمل لهذا المجمع الديني الذي يشمل مرافق متعددة.

وستتركز محاور الأنشطة المقررة، حسبما أعلنته مؤسسة المسجد، حول التعريف بالمسلمين بين غير المعتنقين لدين الإسلام وحول التربية المستمرة للمسلمين بالإضافة إلي العمل علي أن يصبح (نواة الحياة اليومية للجالية المسلمة في غرناطة).

ومن بين أنشطة أخري أعلنت المؤسسة الراعية لمسجد غرناطة عن تنظيم محاضرة أسبوعية مفتوحة علي المجتمع ومؤتمر سنوي يحضره علماء وزعماء مسلمين حيث سيتم تباحث مختلف الجوانب العلمية والتاريخية والدينية والاجتماعية في الإسلام.

وسيضم مجمع مسجد غرناطة قاعة للعرض لتقديم عروض فنية وفنون الخط العربي الأصيل والصناعة التقليدية وصور فوتوغرافية وأعمال اخري لفنانين وحرفيين تقليديين وطلبة المدرسة الإسلامية التابعة للمسجد ومدارس أخري في غرناطة، شريطة أن تكون تلك الأعمال تتعلق حصرا بالدين الحنيف أو بالمسلمين.

وسينظم المركز الاسلامي ايضا مسابقات مفتوحة في الرسم وفنون الديكور والصور الفوتوغرافية والانتاجات السمعية البصرية حول التاريخ وتراث الاندلس وغرناطة المسلمة.

وضمن البرنامج التربوي والتعليمي، ينتظر اقامة، بين امور اخري، دروات دراسية في العلوم الاساسية واللغة العربية بغية التأهيل والتكوين المتواصل للمسلمين.

جريدة (الزمان) --- العدد 1561 --- التاريخ 2003 - 7 - 20
AZZAMAN NEWSPAPER --- Issue 1561 --- Date 20/7/2003
http://www.azzaman.com/azz/articles/2003/07/07-19/679.htm

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
			1	2	3	4
5	6	7	8	9	10	11
12	13	14	15	16	17	18
19	20	21	22	23	24	25
26	27	28	29	30	31