منظمة الشعب الأندلسي العالمية World Organization of Andalusian People
مرحبا بك في موطنك الافتراضي الأندلس، على قول المثل: "تفاءل بالخير تنله". نرجو أن تستفيد وتفيد في إطار أخوي هادف
http://smiles.a7bk-a.com/smile_albums/welcoms/11921929472176.gif

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منظمة الشعب الأندلسي العالمية World Organization of Andalusian People
مرحبا بك في موطنك الافتراضي الأندلس، على قول المثل: "تفاءل بالخير تنله". نرجو أن تستفيد وتفيد في إطار أخوي هادف
http://smiles.a7bk-a.com/smile_albums/welcoms/11921929472176.gif
منظمة الشعب الأندلسي العالمية World Organization of Andalusian People
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شبح الأندلس؛ مسرحية شعرية عن نكبة فلسطين ومعركة جنين الكبرى

اذهب الى الأسفل

شبح الأندلس؛ مسرحية شعرية عن نكبة فلسطين ومعركة جنين الكبرى Empty شبح الأندلس؛ مسرحية شعرية عن نكبة فلسطين ومعركة جنين الكبرى

مُساهمة من طرف أ. د. جمال بن عمار الأحمر الإثنين 26 أكتوبر 2009, 20:18

شبح الأندلس
مسرحية شعرية عن نكبةفلسطين ومعركة جنين الكبرى

تأليف: برهان الدين العبوشي
رائد المسرح الشعري فيفلسطين


صدر عن: مؤسسة فلسطين للثقافة، توزيع: دار الأوائل، حزيران 2006م، تصميم الغلاف: عمربدور،صورة غلاف المسرحية





برهان الدين العبوشي: القامة والظل ..
ترجم له: الأستاذ محمد أبو عزة


هذا شاعر فلسطيني كبير، يمكن أن نطلق عليه لقب (الشاعر المظلوم)..

نسيه النقاد والدارسون لأسباب غير معروفة وحتى الذين أتوا على ذكره من أمثال سارة ديكان واصف في (معجم الكتاب الفلسطينيين) ومحمد عبد الله عطوات في كتابه عن الشعراء الفلسطينيين وغيرهما؛ فإنهم ذكروا أنه توفي عام 1970 مع أن الرجل عاش حتى عام 1995 أي أنهم غيبوه قبل ربع قرن من غيابه .

المنشأ:

ولد برهان الدين العبوشي في مدينة جنين في اليوم السابع من كانون الأول عام 1911، والده حسن قاسم العبوشي، وهو أصلاً من كفر عبوش قضاء بني صعب (طولكرم) ووالدته الحاجة مشخص بنت الحاج يوسف إبراهيم شيخ عشيرة (أبي بكر الحسن وأحمد الجابر) وإخوته حسني العبوشي (الإعلامي في الـ BBC) ورشدي (عمل مدرّساً في لبنان) وجمال تاجر حبوب معروف في جنين)، وشقيقتاه خيرية (متزوجة من رؤوف عبد الهادي) وسنية (متزوجة من ثابت مشتاق وكان ضابطاً في الجيش العراقي الذي شارك في معارك فلسطين عام 1948)، وقد أسست سنية مستشفى في جنين لمعالجة جرحى الحرب، وشقيق زوجها هو طالب مشتاق الشخصية العراقية المعروفة.

الثقافة:

أنهى برهان الدين العبوشي دراسته الابتدائية في مدارس جنين، والثانوية في كلية النجاح الوطنية (نابلس) ثم انتقل عام 1931 إلى لبنان ليتابع دراسته الجامعية في الكلية الوطنية في الشويفات، ويلتحق بعدها بالجامعة الأمير كية في بيروت عام 1933، وفي عام 1934 تم فصله من الجامعة بسبب مواقفه الوطنية والقومية، فعاد إلى فلسطين والتحق بالعمل في البنك العربي في طبريا، ثم نقل إلى مدينة القدس.

شارك برهان الدين العبوشي في ثورة فلسطين عام 1936 – 1939 واعتقل في مدينة القدس وتم نقله إلى (عوجا الحفير) في صحراء سيناء، ثم تم نقله إلى معتقل (صرفند الخراب) قبل الإفراج عنه.

وعاودت سلطات الانتداب البريطاني اعتقاله وزجّت به في معتقل (المزرعة) بعكا لمدة عشرة أشهر بعد مصرع الحاكم البريطاني (أندروس).

وفي عام 1939 انتدب للتعليم في العراق بعد رحيل الملك غازي، وشارك في العراق في الثورة التي قادها رشيد عالي الكيلاني عام 1941 وجرح في معركة (أبو غريب) وقام الثوار بتهريبه إلى الموصل بعد أن صدر أمر القبض عليه، وبواسطة رجال العشائر البدوية العربية تم تهريبه إلى دمشق حيث مكث فيها أياماً عاد بعدها إلى جنين، شارك مع المجاهدين الفلسطينيين والجيش العراقي في معركة جنين عام 1948 وجرح في تلك المعركة. ولما حلت النكبة نزح مجدداً إلى بغداد وسكن في شارع فلسطين ببغداد (حي 14 تموز) وعمل مدرساً لمادة اللغة العربية والدين، واقترن في العراق بمواطنة عراقية من عائلة الحافظ المعروفة في الموصل، وهي من عشائر السادة الحياليين الذين هم من نسل الإمام علي بن أبي طالب ( كرّم الله وجهه) وأنجب منها (سماك) و (حسن)، تطوع للحرب في حزيران عام 1967 وعاد إلى بغداد فقد انتهت الحرب قبل أن يتسنى له المشاركة فيها، وعاد عام 1973 وتطوع للقتال في فلسطين ولم يتسنّ له المشاركة بها.

وبرهان الدين العبوشي ليس مجرد شاعر ظهر في حياتنا، إنه علم بارز بين شعراء فلسطين الكبار أمثال إبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي وعبد الرحيم محمود وغيرهم، ومناضل وطني جاهد في فلسطين والعراق، وشعره يتّسم بالجزالة والقوة، ترك لنا أربعة دواوين شعرية: (جبل النار) صدر عام 1956 و (النيازك) عام 1967 و (إلى متى) عام 1972 و (جنود السماء) عام 1974 وكلها صدرت في منفاه ببغداد.

وهو رائد المسرح الشعري في فلسطين، وله أربع مسرحيات شعرية هي: (وطن الشهيد) طبعت بالمطبعة الاقتصادية في القدس عام 1947 و( شبح الأندلس ) طبعت بمطبعة دار الكشاف ببيروت عام 1949 و ( عرب القادسية ) وطبعت في مطبعة المعارف ببغداد عام 1951 و( الفداء ) وطبعت بمطبعة البصري ببغداد عام 1968، وترك مذكراته (من السفح إلى الوادي.. أُلبّي صوت أجدادي).

وتحتاج كتابة المسرحية الشعرية إلى قدرة شعرية ترفدها قدرة فنية موازية على فهم المسرح وآلياته، ولذلك كان الإبداع المسرحي الشعري قليل في إبداع الأدباء الفلسطينيين في موازاة الأجناس الأدبية الأخرى، فلا يمكن أن توازي عدد المسرحيات الشعرية بعدد الدواوين، ولذلك يمكن وضع اسم برهان الدين العبوشي إلى جانب أبو خليل القباني وأحمد شوقي وعزيز أباظة وعدنان مردم بك وعلي محمد لقمان من رواد المسرح الشعري في مصر واليمن وسورية.

ولا يحضرنا من الأسماء في فلسطين غير العبوشي ومحي الدين حاج عيسى الذي وصلتنا مسرحيتاه الشعريتان (مصرع كليب) و (ابن شهيد).

ومسرحيات برهان الدين العبوشي لا تفتقر إلى تقنيات القصة كالسرد، أو المسرحية كاستدعاء الشخصيات والحوار والمواقف والأحداث المتعددة التي تتآزر معاً لتحدث بناء متكاملاً فنياً، وتتجاور فيها عدة أصوات لتحدث نصاً متآلفاًً فنياً غير متناثرة أجزاؤه أو متنافرة.

ومسرحية (شبح الأندلس) الشعرية التي تقدمها (مؤسسة فلسطين للثقافة) عمل درامي مثير، تجمع بين الشعرية والدراما في بناء قلّ مثيله في الأعمال المسرحية الشعرية.

النص يعتمد المعنى الثنائي للكلمة، أي الدلالة المعنوية وتفسيرها لكل كلمة عند المشاهد، فالكلمة تأخذ أكثر من معنى، إن كلمة شاعر–وهو أحد شخصيات المسرحية- تأخذ معنيين، أولهما الإحساس أو الشعور، وثانيهما المهنة، كما أن النص المسرحي يعتمد على التسلسل، أي أن كل كلمة تجرّ كلمة أخرى، والكثافة الشعرية والوزن الإيقاعي يظهر مسيطراً على الحوار، أما الإمتاع فيتحقق من خلال المشاركة في الفهم والوعي، وانطلاقاًً من هذا كان اختلاف المستويات اللغوية، فلغة العسكريين تختلف عن لغة الراعي التي تتسم بالبساطة والسهولة، والشاعر يزود المتفرج من وقت لآخر بالحقائق اللازمة عن المواقف التي أمامه، ويروي الأحداث ويعلق عليها ويقدم وجهة نظر تحليلية لما يجري.

وبرهان الدين العبوشي استطاع أن يحتل مرتبة متقدمة بين أدباء العراق من خلال مشاركته في المنتديات واللقاءات الأدبية في العراق كما في القاهرة وبيروت وآخرها ملتقى الأدباء العرب الذي عقد في بغداد عام 1969.

كما ربطت الصداقة بين العبوشي وأعلام العراق الأكثر شهرة من أمثال محمد بهجت الأثري (عضو مجمع اللغة العربية في دمشق) وأحمد عبد الستار الجواري (وزير تربية سابق) و اللواء الركن المتقاعد المرحوم محمود شيت خطاب (وزير سابق وعضو المجمعين العلميين العراقي والليبي وأحد ضباط الجيش العراقي الذين شاركوا في معركة جنين عام 1948).

في عام 1991 تم تقليد برهان الدين العبوشي (وسام القدس للآداب والفنون)، قلّده إيّاه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الأخ ياسر عرفات في بغداد، بحضور عدد من الأدباء الفلسطينيين والعراقيين منهم: جبرا إبراهيم جبرا (الروائي الفلسطيني) وحميد سعيد، وعبد الأمير المْعَـلـّه (وكيل وزير الثقافة العراقي) علماً أنه كان أحد طلاب الشاعر في مدينة الحلة في العراق، والدكتور صباح ياسين، ولكن هذا التكريم لم يُترجَم إلى عمل يخلّد ذكرى هذا الرجل ويحفظ مكانته وسط أعلام فلسطين الكبار، كما تم إدراج اسمه في موسوعة أعلام العراق لـ (حميد المطبعي).

لكن أبناء العبوشي لم يكفوا يوماً عن تخليد ذكرى أبيهم فطرقوا أبواباً كثيرة أملاً في إحياء ذكرى هذه القامة الرفيعة لدى أهل فلسطين إلا أن الأبواب كانت تفتح على إمكانيات عادية لا تفي بمكانة هذا الشاعر العظيم

وفاته

توفي برهان الدين العبوشي في بغداد في الثامن من شباط عام 1995 ودفن في مقبرة الشيخ معروف في الكرخ. رحم الله الفقيد الكبير.

وقد جاء في مقدمة المؤسسة بقلم الدكتور أسامة الأشقر:

مقدمة بين يدي ملحمة "شبح الأندلس"

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله إمام البلغاء وسيد الفصحاء وعلى آله وصحبه ومن والاه ؛

فقد اتجهت عناية "مؤسسة فلسطين للثقافة" أن تربط حاضر القضية الفلسطينية بماضيها، وأن تنشدّ إلى أصالتها،وتحيي النمط الثقافي الحقيقي الذي كان سائداً في كافة مراحل قضيتنا منذ الفجر العربي الإسلامي لها عبر وحدة ثقافية تتكامل فيها مفاهيم العروبة والإسلام في ائتلاف وتناغم وانسجام، هذه النمطية كانت هي الغالبة على مشهدنا الثقافي الفلسطيني رغم أن ثمة تغييباً غير بريء جرى بحق إنتاج ثقافي غزير لم ينل حظه من الرعاية والاهتمام والنشر نظراً لشيوع تيارات فكرية وافدة على منطقتنا حظيت بدعمٍ أجنبي رغم غربتها عن امتداداتنا المرتبطة بجذورنا التاريخية والدينية والثقافية.

مسرحية " شبح الأندلس" الشعرية من هذا النمط المُغيّب رغم أنه نمط أدبي فني نادر وعزيز في الأدب الفلسطيني والعربي مما دفعنا أن نعيد تقديمه للجمهور ثانية بعد أن غاب عن الجمهور لأكثر من خمسين عاماً فلم يكد أحد يسمع به أو ينوّه به مما أدى إلى غيابه عن المشهد النقدي والأدبي، فلم يُسجّل عنه إلا القليل.

وتأتي أهمية هذا العمل من جهة أخرى أنه أُلِّف في أشد السنين قتامة في تاريخنا الفلسطيني والعربي المعاصر لأن هذه المسرحية الشعرية أصدرها المؤلف عام 1949 في جنين يحكي فيها ذكرى النكبة الفلسطينية وإنشاء الكيان الصهيوني وجهاد شعب فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني من خلال استحضار نموذج حيّ عايشه الشاعر وشارك فيه بسِنانه ولسانه، حيث أرّخ برهان الدين العبوشي لمعركة جنين البطولية التي شارك فيها الأهالي مع نفر من الجيش العراقي متلاحمين حتى تمكنوا من دحر العدوان وحماية مدينة جنين من أن تتحول إلى بقعة محتلة آنذاك كحيفا ويافا وعكا وبلدات الجليل الأعلى والأوسط.

هذه المسرحية وثيقة تاريخية وأدبية خطيرة ومهمة تكشف عن تفاصيل جديدة من أرض الواقع، وتكشف عن جو سياسي قائم آنذاك يتعامل معه أهل فلسطين والجيوش التي ترابط فيها، وتحكي المسرحية عن جوانب هي في الغاية من الأهمية تتعلق بالأجواء النفسية، والمشاعر المختلطة، والإشاعات السائرة، والمواقف الرسمية والشعبية.

يتحدث المؤلف أن هذه المسرحية كانت تحمل اسم "أخت الأندلس" تشبيهاً لها بمآل الأندلس التي عاش فيها العرب المسلمون ثمانية قرون ثم طردوا منها إثر خلافهم وتنازعهم وتفرُّق كلمتهم، وهي تسمية متشائمة دفعت ببعض أصدقاء العبوشي أن يعترض عليها فعَدَل عن هذه التسمية إلى "شبح الأندلس" وهي تسمية لا تزال تحمل عمقها النفسي التشاؤمي إلا أنها أخفّ وطأة من إعلان التحقق من الهزيمة، رغم أن هذا التغيير لم يغيّر من قناعات الشاعر الغاضب الحزين.

المعاني والفِكَر:

يتفاعل الحس الوطني مع الحس القومي والديني بائتلافٍ بارز مؤثر يَشِي بالروح السائدة لدى قطاعات الشعب الفلسطيني آنذاك دون تعقيد أو فلسفة فهي صورة نفسية صادقة عن دواخل النفس وما تؤمن به في النظر إلى الأرض المباركة ومواجهة العدو المُريد احتلالَها.

ما ضَرَّ لو سلكوا طرائق دينِهم للمجد واتخذوا العروبة مصدرا

وحسُّه هذا لا يمنعه من انتقاد لاذع لأوضاع العرب والسياسة العربية الرسمية المتأثرة بحسابات المحتل البريطاني والفرنسي للبلاد العربية، فينعى على العرب خصامهم وعجزهم وروحهم الانهزامية ويندد بمواقف الزعماء السياسيين آنذاك.

ويحذر العبوشي مبكراً من قَبول العرب بالهدنة الأولى والثانية وقد حصل إثرهما ما حصل من ضياع للأرض وتشريد للفلسطينيين، ويحمل بشدة على سياسات التبرير المنهزمة وتصديق القوى الكبيرة، ويسخر من هذا المنطق المهزوم الذي سيؤدي إلى تقسيم فلسطين وإنشاء الدولة اليهودية.

ويحمل العبوشي على الخلافات السياسية بين الفلسطينيين ويدعوهم إلى الوحدة الوطنية لمجابهة عدوهم.

ويهاجم العبوشي الإشاعات المريضة التي أشاعتها بعض الأوساط السياسية لتبرير الهزيمة والتقصير من أن الفلسطينيين يبيعون أرضهم لليهود ويحكي في مقاطع مسرحيته عن عائلات عربية – يذكرها بالاسم - تسببت في هذه الخسارة ببيع أملاكها في فلسطين إلى اليهود.

مشاهد المسرحية:

تدور أحداث هذه المسرحية الواقعية في دوائر متصلة تبدأ ببقعة مفتوحة في المدينة وتنتهي بميدان المعركة فيها، مروراً بمعسكرات المجاهدين ومواضع رباطهم مع إخوانهم في الجيش العراقي وثلّة من الجيش السوري؛ ويلعب الدور فيها عشرات الشخصيات الذين يشكّلون في مجموعهم دور البطل مع بروز مسرحي محدود للشخصية اليهودية العسكرية في آخر مناظر المسرحية.

ويدور بين هذه الشخصيات حوار سياسي وفكري لا يتوقف تمتزج فيها المشاعر بالوقائع لترسم صورة واقعية حقيقية لتلك الحوادث المتصلة الأليمة.

وقد ركز العبوشي على البعد الشعبي في شخصياته، وأثنى كثيراً على دور الجيش العراقي المرابط في جنين، وامتدح قادة هذا الجيش المقاتل وخصه بمزيد ثناء وشكر على جلدهم وتفهّمهم لحقيقة المؤامرة السياسية الرامية إلى دفعهم للخروج عن نصرة أهلهم في فلسطين، ويخص بعض قادتهم الشهداء بإشادة شعرية في كثير من المواضع، ويبدو أن تلك العلاقة الحميمية دفعته للسفر إلى العراق والالتحاق بالحركة الوطنية العراقية وعضد منها معرفته السابقة ببعضهم أثناء لجوئه للعراق عقب ثورة 1936م .

والحوار الشعري الطويل هو اللون السائد في هذه الملحمة الشعرية نظراً لحاجة الشاعر إلى حشد مشاعره ومشاهده المكتظّة ليسجلها في موقف التوثيق والذكرى لهذه المرحلة الأليمة التي يختتم فصولها ببث نجواه وشكواه وحنينه إلى الأرض المحتلة التي سكنته في جميع دواوينه وأعماله.

هذه المشاعر المتأججة والأحداث الكبيرة جعلت من شاعرنا حكيماً يسرد للناس مواضع الحكمة فيحكي لهم قصة المتقاضيين على كبد إلى قرد كان ينتزع من الكبد ويزدرده بين كِفتي الميزان ليصل بالمتقاضيين إلى العدالة فكان العدل عند هذا القرد " الدولي" أن أكل الكبد كله محل النزاع فعدل بينهما بظلم كليهما.

وهو في حكمته غاضبٌ متوجعٌ من منطق متخاذل يسمعه ها هنا وها هناك:

إذا أنتَ لم تحسِنْ قتالاً فداوِنا وإن أنتَ لم تحسِن كلاماً فأنصتِ

العاطفة:

تمتزج لدى الشاعر مشاعر حرّى مؤلمة وهو يشاهد الكيد والتآمر والتقصير من جانب العرب بينما الأعداء مجتمعون على حربنا مصممون على هزيمتنا والتوسع في إقليمنا العربي فيطلق تحذيراته المنذرة بخطر اليهود وشرهم ورغبتهم في التوسع والتمدُّد إلى دجلة الفرات.

ورغم غلبة المرارة في مسرحيته التي تكاد تفضي بالشاعر إلى التشاؤم إلا أنه كثيرا ما ينفض شعور التشاؤم عن كاهله ويجدد الأمل مقروناً بالتحدي والإصرار والعزيمة ثم تتسرب إلى روحه الآملة مشاعر غاضبة من (الآمرين) زعماء الهزيمة، ولا يخفي مشاعر الإحباط التي ترافقه بعد ثلاثين عاماً من القتال والمناضلة منذ بداية الانتداب البريطاني وإقرار وعد بلفور.

هذه المشاعر المشحونة تخلق لدى شاعرنا حالة حسرةٍ مستديمة تلتقي في مفارقها كلُّ المشاعر المتضاربة.

الإيقاعات:

ونظراً لاتساع آلامه وأحزانه واختلاطها بمشاعر الغضب والتحدي والحسرة والإحباط فإن الشاعر يعبر عن مشاعره المختلطة تلك بألوان تعبيرية تطول وتقصر باستخدام البحور الطويلة تارة والبحور القصيرة والمتوسطة تارة أخرى.

ويمتاز الاستخدام الطويل بسرد المشاعر الروائية الحزينة وسرد الوقائع والأحداث والتفاصيل، بينما يمتاز الاستخدام القصير بالحواريات السريعة، والمواقف النهائية الحازمة.

وغالباً ما تكون هذه الإيقاعات موصولة بشحنة عاطفية متأججة تعطي للمسرحية نوعها الغنائي الذاتي ضمن روح ملحمية جماعية.

إننا إذ نعيد تقديم هذه التحفة الفنية فإننا نعيد الاتصال بماضينا القريب مع البدايات الأولى لنكبة شعبنا الفلسطيني بقلم شاعرٍ صادق المشاعر متين اللغة دقيقِ الحبك يحكي عن وقائعَ شاهدها وسمع عنها وشارك فيها في واحد من أجمل الفنون الشعرية التي تعتمد الحوار الدرامي الشائق لتوثق الأحداث والأحاسيس معاً.

وقد جاء في مقدمة الشاعر الأستاذ برهان الدين العبوشي:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا حمدَ إلا لله ، أما بعد فإن هذه النكبة التي ألمّت بالبلاد، وأهلكت العباد، لم تكن مرتجلة ولا بنت ساعتها ، وإنما مهّد إليها جهلُ القادة، وجشع السادة، وجبن الذادة، فهي من قديم تتمخض عنها القرون، وتنذر الأيام، فلقد ذرّ قرنها بقرنين قبل صلاح الدين ومعركة حطين، ولم يكن في العرب بعد ذلك مؤمن تنفعه الذكرى أو تفيده العبرة.

بل ظل الكبراء في طغيانهم يعمهون، تخدعهم صفرةُ الذهب ولو بهم ذهب ، وبياض الفضة، ولو ابيضت أعين الشعب من الحزن، واحتربت بيوتات العرب على الملك، فاتخذوا من عدو العرب ظهيراً على بعضهم وألباً على أنفسهم .وأحسنوا الظن فيمن نهى الله عن موالاتهم (ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) فأعانوا الظالم على ظلمه فسلطه الله عليهم، وصادقوا على الجور قرصان الأرض، وما علموا أن (الأخلاءُ يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) وغصّت قصور الأمراء والمالكين بزخرف الحياة ومتاع الدنيا وقشور النعيم ، وأرهبوا الكتاب والشعراء والعلماء فأخرسوا ألسنتهم إلا عن مدحهم وإظهار زينتهم وتبرير طغيانهم؛ واستن المؤرخون سنة خاطئة في تدوين مفاخر الأمة وأسباب علائها، وفي تسجيل سيئات الحكم وأسبابها ونتائجها .

كما أخطؤوا في توجيه الأمة توجيها صالحاً مجدياً تستفيد منه الأجيال التي تعقبهم .

لقد كان في الأندلس ملوك طوائف أهلكوا أنفسهم وطوائفهم باختلافهم، وكان قد جرى مثل هذا الاحتراب في العرب بعد سنين من خلافة عثمان –رضي الله عنه-. ولقد سمعت أثناء طفولتي من متحدثين عن معركة "الجمل" أن القاتل والمقتول فيها للجنة، فاستغربت هذا القول ثم أدركت أن هذه الجملة إن هي إلا تحريض على ممارسة مثل هذا الشقاق واستمراره ولن تكون هذه حديثا شريفا .

لقد استمر هذا الاحتراب في سبيل الزعامة القبلية وفي سبيل التاج إلى أن أودى بالأموية والعباسية ، وطوَّّّح بالعز العربي تحت أقدام الفرس والترك والصليبين وتحت أقدام المستعمرين في القرن العشرين .

وها هو ذا التاريخ يعيد نفسه! فقد تقلص ظل الدولة العربية في الأندلس في دولة "بني الأحمر" ، ويشبهها عندنا اليوم المثلث العربي وما تبقى من جبال منطقة القدس والخليل وغزة، وسيذهب منا هذا القسم إلى العدو إن لم يَعتبر رؤوسُنا بمصير ملوك الطوائف، وإن لم يبادر عرب هذه الدويلات إلى جمع الصفوف وتجنيد الألوف ونبذ الشقاق وهجر النفاق والعبرة بما حاق بعرب بني الأحمر وباندثارهم .

إن الصيحة ستأخذ العرب جميعهم إن لم ننعتق من شبح الخوف في محاسبة رؤوسنا وأهل الحكم في العالم العربي. وقديماً استبشر عمر بن الخطاب إذ وجد في الأمة مؤمنين يحاسبونه. فليبادر المسئولون إلى إصلاح ما أفسدوه، والى السير كتلة عربية خالصة لا أثر فيها لأجنبي مهما كان لونه ومُدَّّّعاه. فحرام أن ينقرض هذا الجيل من أجل أفراد .

إن الشعب هو مصدر كل حكم ، فإن تاق وأحب أن يندثر فليقعد عن محاسبة حاكميه. وإن أحب النجاة والسعادة والعز والبقاء فلينهج طرق الخير والصواب في المعارضة لإصلاح أداته وإعلاء شأنه ، وليسرع في ذلك حازما مهما غلا الثمن قبل أن تدور عليه الدوائر .لقد دخل الإنجليز فلسطين ولم أتجاوز السابعة سنّاً ، ويوم دخلوا (جنين) بلدي هربت ليلاً رِدْفاً لعمي إلى قرية ( بيت قاد ) وسمعنا في بطن الوادي أنين جرحى الترك يصيحون (آمان) ومن القرية نظرت إلى جنين فرأيتها تحترق، فأنبأنا القادمون أن الترك والألمان يحرقون الذخائر في محطة سكة الحديد هناك، فكنت وأنا الطفل الصغير أشعر بالألم الدفين لوجود الغريب الغازي في البلاد ، وأشعر بالحسرة لحرق هذه الذخائر وقتل هذه النفوس لإشباع شهوة الأباطرة والمستعمرين . ورجعت وشقيقتي الطفلة إلى جنين ومعنا دليلة الطريق، فسمح لنا الجنود ذوو الريشة ( الأستراليون ) بالمرور على أن نعطيهم بيضاً ليشربوه . فساءلت نفسي إذ ذاك: أجاء هؤلاء من أستراليا ليشربوا البيض من بلادنا أم لاستعمارنا ؟

فكان الجواب: هو الأمران معاً.

القصد من هذه النبذة هو أننا سمعنا من آبائنا أن الإنجليز لا يمسون العربي بسوء آنذاك لأن العرب كانوا في الحرب معهم ... ودخلت المدرسة وإذ بمديرها يلقننا نشيداً باللغة الانكليزية عنوانه: ( يارب احفظ الملك) لنردده في كل صباح وكنا طلاباً وأساتذه نشعر بألم قاتل من هذا النشيد ، وكنا نتهامس متى يكون لنا ملك عربي حر كهارون الرشيد نعتز ونباهي به . ونتيجة لهذا الألم تجرّأنا فاستبدلنا بهذا النشيد الانجليزي نشيداً عربياً على نغمه مطلعه:

محبة الأوطانْ حتمٌ على الإنسانْ

ودار منجنون [1] الدهر فإذا هؤلاء الحلفاء ألد الخصام . فقد خدعوا الوجوه والأعيان وطلاب الوظائف بصدق نيتهم ، فجرّدونا من كل ما يهيئ لنا بناء دولة عربية مستقلة، وأيقظوا في العائلات والمدينة والقرية الفتنة النائمة - لعن الله من أيقظها- ، واقتحموا مضارب الخيام ، فأطمعوهم بالذهب ، وأفسدوا بين العائلات الحاكمة، وأغروا غيرها للتهيؤ للحكم ، فكان الرؤوس أطوعَ من بنانهم ، ففسد الحال وزاد سوءاً ؛ وكانوا قبل ذا قد ابتدعوا وعد "بلفور"، فترعرع هذا على أكفهم، والعرب مشغولون بالشقاق العائلي والتنافس على العرش الذي يصنعه العدو .

واستفاقت فلسطين أثناء ذلك فَتَمَلْمَلَتْ تململ السليم[2] ، وغضبت فتظاهرت وثارت على غير نظام ولا استعداد. وكان اليهود أثناء ذلك ينظمون ويستعدون ويبنون القلاع ويخزنون السلاح ويمهدون لغزو فلسطين وما جاورها، وكان الانجليز طوع بنانهم يهيئون لهم الأسباب ويمهدون لهم الطريق . وإذا الفلسطيني يتفجر بركانه قبل اليوم الخامس عشر من شهر أيار سنة 1948 . وإذا جيوش العرب تدخل فلسطين بعد ذلك بنية الحكم لا التحرير حسب قول الناس . وإذا السهول والجبال والوديان والأحراش تعجّ بألوف الثاكلات والثاكلين والهاربات والهاربين من عرب فلسطين وإذا مدن العرب وقراهم تتساقط كالرطب في فم اليهود ، وإذا ساسة العرب يستَجْدون عطف عالم الغرب ويشكون إليه قسوة اليهود ، وإذا دول العرب تختصم فيما بينها ، وإذا فلسطين تطير في لمح البصر، وإذا شعب فلسطين يضمحلّ ويفنى، وقاتِلوه أهلُه وعشيرته ، وإذا عارُ التقصير ينصب على يافوخ فلسطين، والمقصرون هم أولئك الساسة، ولكن "الجمل" إذا وقع كثر ذابحوه ...هذا ما جرى في لمحة عين ، فلا عجب أنْ يشبه حال أهلنا في الأندلس وإن كان خِزْيُنا أكبر من خزيهم، ومصابنا أعظم من مصابهم فهم خرجوا منافحين وخرجنا نحن متخاذلين مخذولين في كثير من الحالات على الرغم ممّا اكتنف لاجئينا من عطف إخواننا في بلاد العرب .

لقد أسميت كتابي هذا "أخت الأندلس" فاسْتَهْوَلَ أديبٌ هذا الاسمَ وظنه نذيرُ شؤم ، فاستبدلتُ به "شبح الأندلس" .

إن الحقيقة والواقع لا يغيرهما الاسم والعنوان ، فالأمة الحية الناهضة المستعدة تستطيع استبدال أخت "حطين" أو أخت "اليرموك" بهذا العنوان إذا هي استردت "فلسطين" و"الأندلس" ، أو قامت بفتوح كفتوح أجدادها في اليرموك وحطين .

لقد أردتُ بهذا العنوان ( شبح الأندلس ) أن أنبه أفكار العرب شعوباً وملوكاً وحكومات إلى أن ما نحن فيه من خلاف ونزاع يكفي بعضه لضياع فلسطين وبلاد العرب كما ضاعت الأندلس . هذا العنوان "شبح الأندلس" يعيد إلى ذاكرة العرب رواية "خروج العرب من الأندلس" وطالما مثّلناها على مسارحنا ليتعظ بها الناس . وها نحن أولاء الآن نمثل رواية خروج العرب من فلسطين . فمتى يمثل العرب رواية دخول العرب إلى فلسطين وتحريرها . بلى ، ستمثل هذه الرواية يوم يضمحل نفوذ كل أجنبي من بلادنا ومن مرافق حياتنا فهو أساس كل بلاء ، ورأس كل داء . فما الديمقراطية الأنجلو أمريكية وما الشيوعية وآراؤها والفرنسية والنازية الفاشستية والماسونية إلا دعوات استعمارية محضة فيها الويل والهلاك لنا معاشر العرب والمسلمين .

إن هذا الكتاب يدعو للتي هي أقوم ، وهو تتمة لحوادث كتابي "وطن الشهيد" ، ذلك الكتاب الذي ألفته لأؤلف بين قلوب الساسة والقادة والملوك ودول العرب في ساعة تفرقت فيها قلوب الزعماء والعائلات والأحزاب في فلسطين، والذي تحببت فيه إلى كل من تكلف قُلامة ظفر في خدمة بلاده . ولقد كان علمي خاطئاً إذ ظننت أن الدعوة بالحسنى ها هنا فقط أقرب إلى النفس البشرية من غيرها ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ).

إن كتابي "شبح الأندلس" هو كسابقه "وطن الشهيد" لا يدين لغير الحق ولا يطلب رضا مخلوق في معصية الخالق وهو صدى لآلام أمة عربية في فلسطين لم تذق طعم الكرى سحابة ثلاثين عاماً وهي في حلبة الجهاد ومعارك البطولة غير المنظمة . ثم هاهي ذي تُمْنَى بخسارة أغلى وطنٍ وأكرم عرضٍ وأثمن عزة .

إلا أنني أعتقد أن الراحة والتعب والفرح والترح والسعادة والشقاء والعرش والصعيد [3] ستستوي كلها عند الموت وستنسى كلها بعد الموت . ومن هنا يبدأ الزهد في الحياة وتحري الصدق والإخلاص في مظانهما ، وتستوي الصحراء والجنة المُدْهَامَّة والجوع والشبع . ومن كان كذلك لا تضطره الدنيا إلى أن يبيع الحق بالباطل أو أن يرهب الطغاة وإني لكذلك .

إني لأعجب من ذي حَولٍ كيف يطمئن إلى كذاب منافق يتملق رِفْدَه وحكومته وهو السوسة التي تنخر جذور عزه وسلطانه . إن أقطار العرب كأقطار العالم تعج بأمثال

هؤلاء وهؤلاء ، ولكنها تفتقر إلى الكاتب الأمين والأديب المخلص الشجاع والحاكم العالم العادل .إنها بحاجة إلى ساسة علماء مخلصين لا كساستنا اليوم .

إن مواد كتابي هذا واقعية كلها ، ولم يسبق لي أن قرأت رواية عربية شعرية من هذا الضرب. ولست مفاخِراً ولكني أريد لنفسي العذر في مواضيع التقصير وما أكثرها ها هنا . ولقد حثني على هذا كُتُبُ السادة قناصل الدول العربية لعلمهم أن مثل هذا الضرب من المواضيع يتصل اتصالا مباشراً بحاضر الشعب ومستقبله ، أقول حثوني وأثنوا يوم أصدرت روايتي الشعرية الأولى "وطن الشهيد" . وهم وغيرهم من الإخوان الأدباء إنما أرادوا التشجيع الذي أرادته لي صحفنا الغراء .

سيجد القارئ أن جل مادة كتابي هو عن وقائع "جنين" عروس مرج ابن عامر. ولعل عذري في ذلك أنني أعدُّ حوادث فلسطين متداخلاً بعضها في بعض ، وأن ما يجري في مدينة هو ما يجري في شقيقاتها . هذا وأني قد شهدت معارك جنين وقضائها كلها. وكنت في خطها الأمامي حيث كان أسود المدينة وقضائها يتهافتون على الموت تهافت الأكَلة على القِصاع، ويتسابقون إلى الفداء تسابق المؤمنين إلى الجنة وكنت وإخواني نستهدف الشهادة فلم نحظ بها . وكنا كلما أحدقنا بالعدو نرى جيوش العرب تؤمر بالانسحاب فننسحب وإياهم مقهورين وباكين . وبتنا نعتقد في النهاية أن كل مستشهد ٍ في هذه المعارك سيذهب دمه جُباراً[4] ما دامت جيوشنا لا تتخطى حدود التقسيم ، وإنها سترجعنا إلى الخلف وتعيد ما بأيدينا إلى لجنة التقسيم . وما استهدفناه استهدفه أبطال فلسطين في كل قرية وبلد في سلمة ويافا والقدس والخليل وحيفا والناصرة وطول كرم وغيرها .

إن معركة جنين هي أعظم معارك العرب ضد اليهود في فلسطين . وهي الوحيدة التي تسمى معركة حربية بحق . من ناحية أن العدو أحدق بها ودخلها ثم أخرج منها إخراجاً ، إن في هذه المعركة العظمة والعبرة للعرب بأنهم إذا صمموا وقاتلوا ولو بفئة قليلة فإنهم يغلبون فئةً كثيرة ، وشاهدي على ذلك أن جيوش اليهود على كثرتها لم تنتصر عسكرياً في معركة من المعارك .

إن جنود وضباط الجيوش العربية فخر العالم كله وأنهم مثلنا محزونون . لقد طوّق اليهودُ "جنينَ" بآلاف كثيرة وساروا في بعض شوارعها ، وتصدى لهم شباب المدينة وحامية القلعة العراقية من الداخل وشباب الريف من الخارج وأعاقوا الزحف وجاء جيش العراق فأنقذ المدينة وطرد اليهود، وأعاد النازحين من سكانها إليها، فنال بذلك شكر الرجال والنساء والأطفال ، فلولا الجيش لكنا تحت (الخيش ) ولضاعت على أثر ذلك طولكرم ونابلس فيضيع بذلك سائر الخط العربي إلى الخليل ولقطعت طريق المواصلات مع المملكة الأردنية الهاشمية .

من أجل هذا فقط نلهج بشكر المقدم (نوح) الذي صمد في المعركة ونشكر جحفل الملكة "عالية" الذي أنقذ المدينة بقيادة العقيد الركن "صالح زكي" والزعيم "طاهر الزبيدي" آمر هؤلاء جميعا وكنا نتمنى لو أتاحت لهم القيادة العليا تطهير المرج إلى الساحل الغربي ولم تحُلْ دون تقدمهم فتتم بذلك رسالة العراق الباسل التي لم يُؤَدِّّّها بعد ؛ إن سياسة الجامعة أساءت إلى الجيوش وفلسطين . ليت هذه السياسة لم تعق سير الجيوش في ميدان العرب في النقب واللّد والرملة وطولكرم وجنين والقدس والناصرة وحدود فلسطين . وعسى أن نعمل نحن الفلسطينيين على إعادة ما فقد منّا ، تؤازرنا في ذلك أفئدة من الشباب الحر الثائر في بلاد العرب ، وبذلك نغسل العار ونلبس الغار وترجع الأمة المشردة إلى ديار عزها وسؤددها . وبذلك تتقلب أوضاع السياسة المذبذبة من جمود إلى حركة ومن قيد إلى حرية .

إنني ها هنا أدعو شباب فلسطين إلى نبذ اليأس والخنوع ، والى مقارعة الخطوب وكل من يتآمر على سلامتنا . أدعو الشباب إلى التكتل الحق ونبذ كل خلاف والتمسك باللب لا بالقشور فلَنمُتْْ أشرافاً مغاوير وأبطالاً ميامين قبل أن نستهدف الموت جوعى وعطشى وعريا ومرضى في بطون الأودية وشعاب الجبال وبين سخرية الجيران وأدعو كل عائلة في فلسطين إلى نبذ حب الذات . فلا كيان لقبيل إلا بالقبيل الآخر .العدو ها هنا قريب منا على مرمى البندقية يتلقف أخبار خلافنا ليهيئ لنفسه خطة محقنا وسحقنا ، فلنقهره بالتراحم والتوادّ والعمل ضده فهل تسمعني شعوب العرب الخانعة للضيم ؟

إن مصيبة فلسطين ليس لها خاتمة اليوم ، ولهذا لن تجد لروايتي خاتمة ، وإنما هي جزء ثان لرواية متسلسلة الأجزاء سيكون ختامها المسك، إذا أعدنا السليبَ من وطن وشرف وسؤود ، والشريدَ من شيخ وطفل وامرأة . ولن تكون خاتمتُنا غيرَ المسك مادامت قلوبنا عامرة وإيماننا لظى متقدة وملوكنا كلمة واحدة وشعوبنا سيفاً قاطعاً وشبابنا جيشاً واحداً وقيادتنا عربية خالصة ، فإن تم لنا ذلك فختامها المسك وإلا فعلى الشعوب والتيجان والزعماء العَفَاء[5]. وإني لخائف على أمتي من المستقبل إذا لم تستعد لأني كلما حاولت إنهاء مقدمتي تبدت لي سحنة اللاجئ الشاحبة فتأخذني النقمة على الإنسان ، فويل للإنسان من الإنسان، يبني ملكه على جثة أخيه الإنسان، (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركّبك...) (فلينظر الإنسان ممَّ خُلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصُّلب والترائب. إنه على رَجعِه لقادر ...) (كلا لئن لم ينته لنَسْفَعَن بالناصية. ناصيةٍ كاذبة خاطئة فليدع ناديَهُ سندعو الزبانية. كلا لا تطعه واسجد واقترب).

الليل أطول من هموم العاشقِ والصبح أبعدُ من فلاح الفاسق

جثمت على صدري مصائبُ أمتي فكأنها جبلًٌ هَوَى من شاهق

حاولت أقذفه فناء بكلْكلٍ وطفقت أنحته بمعول حاذق

فعجزت عنه ولم أجد من حيلة فرثيت نفسي واستجرتُ بخالقي

المؤلف

جنين في 5 شوال 1368 الموافق 1/8/1949

ـــــــــــــ
[1] المنجنون: الدولاب يستقى عليه، فشبه الكاتب تقلب الدهر بدوران المنجنون (البكرة ) .


[2] السليم هاهنا بمعنى الملدوغ.

[3] قوله يستوي العرش والصعيد عند الموت: أي يستوي كرسي الحاكم بالتراب عند الموت.

[4] جُباراًً: أي هدراً فلا يُثأر له.

[5] العَفَاء: بفتحتين الهلاك.

http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOFoBv7kOl%2bmGp5S2HT71WBz1BEZyg9BZkuolMRcs15WmfXbyNimosY4Ui%2feSlXm6CrGSkBd3OZ1pMY9w860JIX331Xyrg3lP0cqb7Y0PDdC0oU%3d



تاريخ النشر: 11/07/2006 - 05:58م
أ. د. جمال بن عمار الأحمر
أ. د. جمال بن عمار الأحمر
رئيس منظمة الشعب الأندلسي العالمية
رئيس منظمة الشعب الأندلسي العالمية

الجنس : ذكر
العمر : 64
تاريخ الميلاد : 22/02/1960
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
عدد المساهمات : 2937
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 3
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 4878
العمل/الترفيه : أستاذ جامعي. مؤسس في حركة إسلامية قوية في نهاية السبعينيات. وسياسي قديم. ومرشح برلماني سابق

http://www.andalus-woap.org

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى