فن السقوف الداخلية في قصر الحمراء، ودعوى وجود صور روحية فيها

أخي الفاضل: قيس منتوري
جازاكم الله خيرا عن اللفتة الطيبة.

1- نثبت الثوابت قبل أن نتحدث عن المتغيرات. والثوابت هنا هي ثوابت الإسلام، أما المتغيرات فهي اجتهادات البشر.

2 - من ناحية ما جاء في الجزيرة فإني لم أطلع عليه. ولا يمكنني الرد عليه إذا كان شفويا.

3- ما يقوله الصحافيون وما يكتبونه، هو بمنظار العلم لا شيء، ولا يبنى عليه شيء، إنما العبرة بما يكتبه أهل العلم المتخصصون.

4- الأصل، من الناحية المعمارية، أنه لم يثبت وجود صور ذات أرواح في سقوف الحمراء إلى حد الساعة. ومن قال بذلك فعليه بالدليل القاطع. ونحن لا نترك اليقين إلى الشك.

5- مسألة الصورة وردت في أحاديث صحيحة، ولا يمكن ردها. أما سياقاتها، وشروحها فيعتورها كثير من الشد والجذب بين المحدثين والفقهاء. وبناء على ذلك فهناك اختلافات كثيرة فيها، مع بعض التراجعات النظرية والتطبيقية، في هذه المسألة. وهذا معناه أن هناك اختلاف كبير في تحرير المناط، وفي الفتاوى النهائية.
ومع هذا الاختلاف، هناك قواسم مشتركة اتفق عليها العلماء. ومن الأمور المتفق عليها أنها محرمة؛ الأصنام.
وتحضرني هنا فكاهة: هي أن الصحافي العلماني الهالك أنيس منصور قد أفتى بحلها في بعض كتبه، مستدلا على ذلك ببعض القصص العامة، والاستنتاجات الثرثرية، والتشبيهات الفلكلورية، وبمقاطع من آيات، مبثورة عن سياقها!!!
ولا بد أن ننتظر ممثلا كوميديا لكي يفتينا في بعض أمور الحج، مثلا، وهكذا.

6- ساحة الأسود في قصر الحمراء بها أسود منحوتة. والنحت حرام في الإسلام. وقد قرأت مرة في أحد كتب تاريخ الفقه، أن بعض فقهاء المالكية المعروفين القائلين بإدخال المنطق، غير المغربَل، في الفقه، أفتى السلطان آنذاك بأن الأمر حلال. فلم تنحت الأسود قبل الفتوى. وقد احتفظتُ بالمعلومة موثقة في بعض ملفاتي البعيدة عني الآن.
علما أني أدمنت في مرحلة من حياتي البحث في كتب الفتوى القديمة والمخطوطة والمعاصرة، دون بقية كتب الفقه، أستخرج منها أحكام (العمارة في الإسلام) وأحكام (فقه الطبيب). وقرأت في ذلك عشرات من كتب الفتاوى، إن لم أقل مئات المجلدات والعناوين. وكان من ذلك مجموع فتاوى ابن تيمية، والفتاوى الهندية، وفتاوى السبكي، والسيوطي، وابن الصلاح، والعز بن عبد السلام، وابن نجيم، والمدونة، ونوادر ابن أبي زيد القيرواني، والمعيار المعرب عن فتاوى علماء أفريقية والأندلس والمغرب للونشريسي، وغيرها. وقد تجمع من هذين البحثين عدة مجلدات، أسأل الله تعالى تيسير تبييضهما وطبعهما.
ومهما يكن من أمر فإن الفتوى خاطئة.

7- الأسباب تبقى تخمينية؛ لأن تاريخ الأندلس لا زال خاضعا في معظم رواياته إلى النصوص الأسبانية، وهي نصوص الخصم، ولا يمكن التعويل عليها إلا بشكل نادر، ولأن أكثر المخطوطات الأندلسية قد أحرقته محاكم التفتيش في باب الرملة الفلسطينية بغرناطة. والباقي منها لم ير النور منه سوى النزر اليسير. أما ما طبع منها فتحقيقه نادر الجودة، ولا يكفينا للإجابة عن جل المسائل إن لم نقل كلها، وخاصة عن المرحلة الأخيرة.

8- الأسباب الوعظية ليس لنا عليها تعليق. ونرى في مجملها تعليقات تخمينية لا حقيقية، وهي بالأساس سلبية، إلى حد الساعة، تؤخر القضية الأندلسية أكثر مما تخدمها.

9- هناك فرق مهم جدا لم ينتبه إليه غالبية المسلمين، وقد تعمد المستشرقون إيقاع اللبس فيه، ومنهم (جاك بيرك). هذا الفرق المقصود هو ما يوجد بين (العمارة الإسلامية) الواردة في النصوص المعتمدة، وعمارة المسلمين (العمارة المسلمية) الواقعة في التطبيق وتعتورها الأخطاء.

10- ثبت أن الأسبان زادوا بعض اللمسات التزيينية الخفيفة جدا، لكنها على شكل أختام تذكر في وجودهم في العمل الفني الذي أنجزه المسلمون. ولم يكتفوا بذلك حتى زادوا بنايات كاملة داخل المباني الإسلامية كالكنيسة المسيخة التي أضافوها داخل مسجد قرطبة.

والله أعلم.