منظمة الشعب الأندلسي العالمية World Organization of Andalusian People
مرحبا بك في موطنك الافتراضي الأندلس، على قول المثل: "تفاءل بالخير تنله". نرجو أن تستفيد وتفيد في إطار أخوي هادف
http://smiles.a7bk-a.com/smile_albums/welcoms/11921929472176.gif

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منظمة الشعب الأندلسي العالمية World Organization of Andalusian People
مرحبا بك في موطنك الافتراضي الأندلس، على قول المثل: "تفاءل بالخير تنله". نرجو أن تستفيد وتفيد في إطار أخوي هادف
http://smiles.a7bk-a.com/smile_albums/welcoms/11921929472176.gif
منظمة الشعب الأندلسي العالمية World Organization of Andalusian People
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المدرسة الأندلسية في علم الفلك

اذهب الى الأسفل

المدرسة الأندلسية في علم الفلك Empty المدرسة الأندلسية في علم الفلك

مُساهمة من طرف أ. د. جمال بن عمار الأحمر الأربعاء 05 مايو 2010, 10:05

المدرسة الأندلسية في علم الفلك


3.4- المدرسة الأندلسية : مواقف حرجة من حدود أرسطو

3.4.1 - ابن رشد : جهل أم تجاهل لأصول الهندسة؟
"... كان ابن رشد يشتكي من أن علم الفلك في زمانه لم يكن علما برهانيا لأن ما فيه، إذا كان يتفق مع الحسابات الفلكية، فإنه لا يتفق مع صورة العالم السماوي في كليته وطبيعته" ( ). ومعنى ذلك أنها تتوقع بالظواهر الفلكية مع مخالفتها لمقولات الفيزياء الأرسطية. ويهفو ابن رشد، كابن طفيل، إلى تفحص الهيئات الوحيدة المركز (مركز الأرض) وكأنما لم يكن عالما بإفلاسها عند الإغريق وعند كل عالم مثله باقتراب الشمس والقمر من المركز الأرسطي وتغير سرعتهما، هو الذي كان قد نشر مختصرا للمجسطي (أهم كتاب في علم الفلك لبطلميوس) وكذا رسالة "في المثلثات الكروية"، زيادة على قيامه بأرصاد وهو شاب في الثامنة وعشرين من عمره. يشهد ابن رشد بنفسه أن الهيئات البطلمية تقدم نتائج عملية لا بأس بها وأنها تخلت عن مركزية الأرض أو عن احتكارها لتلك المركزية (بكلمة أوضح : تخلت عن فيزياء أرسطو) ولكنه لا يستنتج من ذلك أنه لو أخذ بمركز غير الأرض وغير تلك التي تبناها بطلميوس، لوجد ربما حلا مكتملا لمعضلة علم الفلك. وكأنما يدور علماء الفلك العرب عن وعي في قفص ضيق ذي اختيارين محدودين : إما بطلميوس وإما أرسطو لا غير !
من المرجح أن تكون لذعات قضيب المعلم قد رسخت بسلوكنا ذلك التقليد الذي يخشى تعدي حدود الأولين. هذه هي إحدى القسمات التي لم نعثر عليها عند الإغريق. فعدم احترام طفولتنا والعنف السائد في العلاقة بين "لمعلم والمتعلم" بين "لمعلمة ولمتعلمة" قد يكونا أساس عبوديتنا وخنوعنا وعدم إنتاج سلعة نادرة بأوطاننا تعرف باسم الحرية. قد يكون هذا أساس توفرنا على المعرفة مع ندرة الفكر الخلاق، المخالف للرواد، السالك لسبل لم يسلكها السابقون. فحرية الفكر هي أم الحريات، وما التحرر من الأجنبي ومن السلطات الدكتاتورية إلا لهو بالنسبة للتحرر من قيودنا الداخلية العميقة التي يجترها ويعيد إنتاجها كل فرد من مجتمعاتنا العربية الإسلامية سواء أكان من أصحاب الشمال أم من أصحاب اليمين من الخاصة أم من العامة.
فخلافا لما يقوله الدكتور محمد عابد الجابري، ربما محاولة منه لتبرير عبودية ابن رشد لأرسطو، فإن الفيزياء التجريبية والرياضية لم تبدأ مع كاليليو بل مع أرخميدس، مباشرة بعد موت أرسطو، أي قبل أن يدخل العرب معمعة العلم وتحت تصرفهم تلك التركة ( ). إن التخوف من الوقوع في زلة التجاوز (تحميل زمان ما لا يحتمله) يجب ألا يؤدي بمفكرين قيمين حقا من أمثال الجابري إلى التسامح والتغاضي عن زلل السابقين وإن كانوا لنا أجدادا محترمين. فليس من الإحترام لأجيالنا وضمائرنا إقامتهم مكانة غير مكانتهم. ولقد أشرنا إلى مقولة أرخميدس المؤسس لما سماه بالميكانيك العقلانية والقائلة، على خلاف أرسطو، أنه يمكن لأي قوة مهما كانت ضئيلة أن ترفع حملا مهما كان ثقيلا. وبنفس الأدوات التجريبية والرياضية يبين أرخميدس سخافة النظرية الأرسطية القائلة بعناصر ثقيلة تتوق إلى وسط الأرض وعناصر خفيفة متشوقة إلى الصعود. ونظريته هي ما ندرسه تحت إسم "دفعة أرخميدس" La poussée d’Archimède. وما نظن أن الأستاذ الجابري المؤلف لأهم "مدخل إلى فلسفة العلوم" باللغة العربية لم يدرس تلك النظرية. لقد فهم هذا الفيزيائي-الرياضي أن للمعادن كثافة مختلفة وبرهن على ذلك هندسيا. لقد قلده ملك سيراكوز بحل مشكل مادي : كان الملك قد قدم لصائغ قدرا معلوما من الذهب الخالص وطلب منه أن يصنع له تاجا. إلا أنه تخوف من خلط الصائغ للذهب بمعدن بخس. ولقد أكدت شكوكه تجربة حجر المحك. إلا أن حجر المحك لا يعطي برهانا قاطعا على الخلط في كل الأحوال، لذا طلب من أرخميدس أن يجد حلا لحسم القضية دون تذويب التاج. وهكذا وضع أرخميدس التاج بكفة ميزان ووضع مقابله وزنا مساويا من الذهب الخالص. بعد ذلك قام بملإ إناء بالماء ملأ تاما وغطس به الذهب الخالص ثم قام بوزن ما فاض من الماء. وهو بعد ذلك يملأ الإناء ثانية ويغطس به التاج ثم يزن ما فاض من الماء. ولما تبين أن الفائضين من الماء لا يزنان نفس الوزن، تيقن أن حجم التاج لا يعادل حجم الذهب الخالص مما يدل على انه ليس من نفس المعدن الخالص. فأرخميدس يضيف بهذا مفهوما فيزيائيا أساسيا ألا وهو الثقل النوعي (poids spécifique). كل منا يعلم عن تجربة أن كرة من الحديد أثقل من كرة لها نفس الشكل والحجم مصنوعة من الجبس. ولكن التعبير عن ذلك بنسب رياضية مضبوطة يحدد فهمنا لتلك المعارف البديهية ويزيل الغموض من تخاطبنا . فعندما نقارن حجم الماء الفائض عند غطس الكرتين نجده متساويا، إلا ان وزن تلك الكرتين يعطينا قيما مختلفة. هذه المفاهيم هي التي مكنت أرخميدس من التعبير هندسيا عن سبب طفو السفن. لقد فهم أن الزوارق تطفو لأنها تتدافع وحجما من الماء يساوي حجمها وما كان منهما أثقل دفع الآخر إلى أعلى (الرسم 20).
ففيزياء أرخميدس الرياضية تقول إذن بأن العناصر متدافعة وأنه ليس للعناصر مكان طبيعي. بهذا يتضح فهمنا لسبب هبوط الهواء إلى قعر الحفر. فالهواء متدافع مع الأرض وكلما أزحناها هبط "إلى مكانه الطبيعي غير الأرسطي".







من المهم جدا أن نفهم أن أرخميدس كان رياضيا مخترعا وصانعا بيديه لعدة آليات (لوالب، بكرات، مرايا مقعرة ومكثفة للشمس وحارقة عن بعد...) بجانب اهتماماته بالرياضيات النظرية. وكذلك الأمر بالنسبة لكاليليو، إذ كان صانعا لآليات يبيعها من أجل الكسب بجانب تكلفه بالتدريس الذي لم يكن يذر عليه دخلا كافيا. فليس غريبا إذن أن يحيي كاليليو تجارب أرخميدس. إن الجمع بين الصناعة والتدريس هو أساس البحث العلمي الحديث. فالذكاء ذكاآن : في الذهن وفي اليدين. وما أحوج تراثنا إلى الثاني. وقد يكون النحت المتطور إلى حد البراعة عند الإغريق هو المنشط لخلايا هذا الذكاء، بينما ظل ذلك النشاط وبعده الجمالي مكبوتا بأوطاننا. وكما سنرى فيما بعد، تتزامن الثورة الأوروبية مع نهضة في ميادين الرسم والنحت، وفي إيطاليا بالذات وطن كاليليو.
فالمدرسة الأندلسية (وابن رشد من أهم ممثليها) لم تأخد بفيزياء أرخميدس بل عادت، للأسف الشديد، إلى فيزياء البداهة الأرسطية. وطبعا لا يقلل هذا من أهمية عودتها إلى المنطق الذي برع فيه أرسطو وظل دون منازع. وإننا نقدر قيمة ابن رشد السينمائية والإيديولوجية في نضال إخوان لنا ضد إخوان لهم. لكنه بات من الواضح أن الجانب العلمي الرصين الذي كان جزءا لا يتجزء من فلسفة عصره، ظل حظه ناقصا كما سنرى. وما نظن أن الرياضيين القرطبيين كانوا ناقصيي المعرفة بالهندسة كما قال بذلك بعض المستشرقين في دراستهم لنظريات ابن رشد الفلكية ( ) بل نميل إلى الإعتقاد أن ابن رشد كان، كابن باجة وابن طفيل وابن ميمون والبطروجي وكذا كل المشككين الشرقيين، واعيا بأن فلك عصره مبني على أسس فيزيائية هشة وأن فيزياء أرسطو قد أفلست في أجواء السماوات. إلا أنه يهفو إلى العودة أو يرغبه الموحدون في العودة إلى وحدة المركز التي كان الدهر قد أكل عليها وشرب. إننا نظن أنه يمكن التسلح بعظام ابن رشد لمقارعة الإخوان، لكنه من الأمانة أن نذكر هؤلاء المتحاربين جميعا بأن ذلك السلاح نخر لا يعول عليه. فهلموا أيها الإخوان المثقفون لدفن تراثنا بكل احترام وإجلال ولنوجه كل قوانا لمواجهة مشاكل عصرية ولنخرج من معارك لا طائلة وراءها.
ما انفك العرب، المسلمون منهم وغير المسلمين، وكذا أوروبيو القرون الوسطى مقيدين بـ"خيزياء" أرسطو (على وزن خيمياء) التي يقول عنها كستلر : إنها الفيزياء التي لم تنتج للبشرية خلال ألفي سنة أي شيء ذي فائدة ( ).
ورغم وعد ابن رشد بتفحص الهيئات الأرسطية فإنه لم يقدم على ذلك العمل. من المحتمل جدا أنه تيقن أن نظريات أرسطو مبنية على المحال : اقتراب ثم ابتعاد محيط الدائرة من مركزها. فهو يطلب من الدهر أن يتيح له شيئا من الوقت لتفحص تلك الهيئات. ونحن نفهم هذا التأجيل لعمل أساسي كعبارة دبلماسية لاتقاء تورط في تناقضات تستتبعها هيئة أرسطو المرحومة والتي كان ابن رشد يعلم كل العلم أن مهندسي الإغريق والعرب دفنوها وهم واعون بعدم تطويرهم لفيزياء تصلح كأساس لفلكهم السابح حول نقط فارغة. وللتدليل على ما نقول، نود الإعتماد على ما كتبه ابن ميمون بكل وضوح بينما ظل معاصره ابن رشد مفضلا للشكوك. وهذا ما يدل على أن الحرية الفكرية بالأندلس لم تكن تبلغ نفس المستوى الذي حظي به ابن ميمون عندما هاجر إلى مصر ثم عاد إلى ملته، بعدما أرغم كأغلبية اليهود، على اعتناق الإسلام بالأندلس وفاس. ومن الروايات الغريبة التي روجت عن ابن رشد، بعد نكبته، أنه ربما ينحدر من عرق يهودي.
لم يقدم لنا ابن رشد أي هيئة فلكية بديلة رغم علمه بأن هيئات بطلميوس لا تقوم على أسس فيزيائية برهانية. ولاتساع معرفته، يعلم كيف تم تطورعلم الفلك عند الإغريق ابتداء من نظرية أولى ثم مقارنتها مع الأرصاد ثم تغيير النظريات والهيئات كي تتفق مع الأرصاد ثم مواصلة ذلك عند العرب الذين وقفوا على ظواهر لا تتأتى إلا بالرصد عبر الأمد الطويل.
يقول ابن رشد في شرحه لكتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو إن صاحب هذا العلم (الإلهي) يأخذ التفاصيل الفلكية من علماء الهيئة. إلا أنه يطالب كأرسطو أولئك العلماء بالتقيد بمبادئ صاحب العلم الطبيعي( ). بكلمة أخرى : يجب على الفلكي أن يخترع حلولا هندسية تتفق مع مبادئ الفيزياء. فهذا موقف عقلاني ٍ في حد ذاته. ونحن نفضله على موقف ابن ميمون الحائر والقابع وسط الأزمة، رغم وضوحه كما سنبرر ذلك. لكن المبادئ شيء وما يستنتجه العالم منها شيء آخر. كان من المنتظر أن يطالب كلا العلمين باحترام ظواهر الطبيعة أولا بعدما تبينت له ظواهر مستحيلة التحقيق حسب العلم الطبيعي الأرسطي. فإن كان لابن رشد مبدء مشرف إلا أنه غير متزن البتة. فعبوديته لأرسطو لا تعبر عن عدالة وشجاعة فكرية رفيعتين. وهذا ما أدى ببعض المستشرقين إلى الظن بقلة علمه بالرياضيات والهندسة أو بقصور عقلانيته ومنطقه. إلا أننا نميل إلى الإعتقاد أن ابن رشد الذي كان قد قام بتلخيص كتاب المجسطي وتأليف كتاب في المثلثات الكروية كان واعيا بالتناقضات الأرسطية دون أن يعبر تعبيرا واضحا عن ذلك. وما موقفه المتأرجح من المسألة إلا دليلا آخر على ذلك. ففي تلخيصه لكتاب ما بعد الطبيعة، يتبنى ابن رشد هيئة الأفلاك الخارجة عن المركز الأرسطي دون أي حرج ويبرر ذلك بنفس القول الأرسطي، ألا وهو أن الباحث في موضوع ما بعد الطبيعة يتلقى علم الفلك عن الإختصاصيين بذلك الميدان. لكن موقفه من حلول بطلميوس تحول فيما بعد إلى هجوم عنيف دون أن يعيد النظر ولو قليلا في مقدمات أرسطو ومركزيته المتجاوزة منذ قرون خلت. وقد يكون السبب بسيطا كل البساطة : فما يكتبه ابن رشد في شرح أرسطو بعد أن قام ابن طفيل بتقديمة لأبي يعقوب المنصور إنما هو موجه للسلطان الذي حمله مهمة "رفع القلق عن عبارة أرسطو". فكيف يمكن إذن لشارح أرسطو الأعظم أن يضيف قلقا إلى القلق الذي كان يشوب مقولاته؟! فهذا ما لا ينتظره السلطان طبعا وما كان ليدفع أجرة مقابل عمل نقدي : إن الصباغ لا ينتقد ذوق صاحب الدار ودافع الثمن. المهم، هو أننا لا نجد لابن رشد أي تورط صريح في المحال وإن كان يقف مرارا على حافته. فكلما واجه مسائل عويصة سكت عنها أو عبر عن شكوكه بعبارات "ربما"، و "قد يكون" أو أجل إعادة النظر في ذلك لأجل غير مسمى.
فابن رشد، ككل علماء الفلك في زمانه وجزيرته، يعلم أن للكواكب المتحرية حركات في الأبعاد الثلاثة، منها ما هو بين لكل الناس ومنها ماهو بين لمن راقب ذلك بآليات ومنها ما لا يتبين إلا عندما نقارن أرصادنا بأرصاد القدماء. فحركة الشمس اليومية وتغير طول النهار مثلا ظاهران للعيان. إلا أن حركتها من الغرب إلى الشرق، او اقترابها ثم ابتعادها من الأرض لا يتضحان إلا لصاحب الرصد. أما تغير موقعها يوما اعتدال الليل والنهار فلا يمكن أن يتنبه إليه إلا من قارن رصده المتقن بما سجلته الأرصاد القديمة. وهذه الظاهرة هي ما يسمى بمبادرة الإعتدالين. إضافة إلى ذلك يتبين للراصد المحقق أن هنالك حركات محيرة لا يمكن تبسيطها وإرجاعها إلى حركات دورية كالتي يعتمد عليها علماء الطبيعة. لكن الغلط، حسب ابن رشد ليس راجعا إلى أرسطو وأفلاطون وإنما يقع على عاتق بطلميوس وعلماء الفلك. موقف فكري غير منصف عند قاض قضاتنا القرطبي . يقول ابن رشد بالحرف : "وينبغي أن تعلم أن هذه الحركات التي يثبتها أصحاب هذا العلم على ثلثة أصناف منها ما هي مدركة للجمهور وهي المدركة بحس البصر ومنها ما لا تدرك حركاتها إلا بالأرصاد في آلات معلومة وهذه منها ما تدرك في أزمنة طويلة تفوق الأعمار الإنسانية ومنها ما تدرك في أزمنة قصيرة. والصنف الثالث هي حركات مثبتة بالقياس وذلك أن كثيرا مما يظهر من هذه الحركات تظهر بسيطة بحس البصر فإذا نظر فيها بحسب ما تقتضيه الأصول الطبيعية لزم أن يعتقد فيها أنها مركبة من أكثر من حركة واحدة...مثال ذلك أن الكواكب المتحيرة يظهر من أمرها أنها تسرع مرة ومرة تبطيء، وأنها مرة تستقيم ومرة ترجع وهذا لا يصح مع ما تقتضيه طبائع حركات الأجرام السماوية، يعني أنه تبين في العلم الطبيعي أن حركاتها كلها مستوية وأنه ليس يمكن فيها السرعة والإبطاء ..". وكأنما لا يفهم ابن رشد أن مقدمات العلم الطبيعي الأرسطي مجرد تخمينات نظرية أولية تقدم للبحث والدراسة وتتمنى أن ينهض المهندسون بمهمة إيجاد حلول رياضية تمكن من اتفاق الأرصاد مع هذه المقدمات اللازمة لمبادرة كل بحث علمي يعتمد على الغلط أولا ثم التصحيح وهكذا بالتدريج. غلط علماءنا العرب إذن، هو أنهم وضعوا تخمينات الشيخين بمثابة اليقين وكأنه الوحي. وسنورد فيما بعد أسبابا قد تكون هي الدافعة إلى مغالطة الأنفس إلى هذه الدرجة وإلى الدفاع عن مواقف محرجة كل الحرج.
وابن رشد يعلم أن فلكي الإغريق يشرحون ظاهرتي الإقبال والإدبار من جهة والإقتراب والإبتعاد من جهة ثانية وذلك بتبينهم لهيئة فلك التدوير التي يرجع عهدها إلىهيرقلدس زميل أفلاطون. لكنهم، كما سبق أن قلنا، افرغوها من الشمس التي تمثل مركز الثقل عنده. ويعلم كذلك أن هيئات بطلميوس تعتمد على هيئات خارجة المركز كي تمكن الشمس من الإقتراب والإبتعاد الشيء الذي يبقى محالا عندما نعتمد على حل أرسطو القائل بدائرة مركزها هو وسط الأرض.
ويعلم ابن رشد أن هنالك ظواهر أخرى وقف عليها أصحاب الرصد بعد أرسطو والتي أرغمت بطلميوس عمليا على نسف مقدمات جده أفلاطون التي تقول بالحركة المستوية حول المركز. فهو يخترع هيئة ما يسمى معدل المسير كما بينا ويعترف بكتاب المجسطي أنه يخترق بذلك المبادئ التي يقول بها علماء الطبيعة إذاك. فالأسبقية كانت للظواهر عند الإغريق وهي التي كانت حاكمة للنظريات إذن. ولنرجع إلى نص ابن رشد : "...فوجب على صاحب علم النجوم ...أن يضع هيئة يلزم عنها هذه الأحوال الظاهرة من غير أن يلزم عن ذلك محال في العلم الطبيعي. وذلك لا يتفق إلا بوجهين : إما أن تكون تلك الحركة التي تظهر مرة مسرعة ومرة مبطئة ومرة مقبلة ومرة مدبرة هي مركبة ومؤلفة من حركات كثيرة، أو يكون أيضا هناك أفلاك خارجة المراكز عن مركز العالم وهي التي يخصها الحدث من التعالميين بالأفلاك الخارجة المركز وأفلاك التداوير". وينبهنا ابن رشد في هذا المقام أن تطوير هيئات جديدة يصبح لازما عندما يتبين بالرصد أن الهيئات القديمة لا تمكن من حسابات صحيحة لمنازل الكواكب بالسماء : "وكثيرا ما يخرجون بالرصد مدد حركات الكواكب فإذا حسبوها اقتضى لهم ذلك الحسبان أن تكون في مواضع محدودة من فلك البروج فإذا رصدوها بآلات وجدوها في غير تلك المواضع فاقتضى لهم ذلك تجديد حركة لذلك الكوكب". فهذا وصف جيد للطريقة العلمية الرصينة والتي تراجع النماذج القديمة كلما تبين أنها لا تتنبأ بشكل دقيق بالظواهر الطبيعية. ويتابع ابن رشد : "وبهذا الوجه أثبت بطلميوس حركات كثيرة للقمر وسائر الكواكب لم يثبتها من [أتى] قبله، مثل الحركة التي يسميها بطلميوس حركة المحاذاة للقمر وحركة الأقطار لأفلاك التداوير التي يضعونها للمتحيرة وهذه الحركات لم يقدر هذا الرجل أن يضع لها هيئة. وكذلك ما ظهر له من أن حركات الكواكب المتحيرة في أفلاكها الخارجة المركز المستوية تتحرك على مراكز غير مراكز الأفلاك الخارجة لم يقدر أن يضع لذلك هيئة على أصوله التي عول عليها وهي في فلك التدوير الخارج وهذا كله ظاهر لمن ارتاض أدنى ارتياض بعلم الهيئة" ( ص 1657).
نفهم من هذا أن ابن رشد كان عارفا كل المعرفة بهيئة معدل المسير التي يعترف بطلميوس أنها مخترقة للأصول المتعارف عليها. ومن الغريب حقا ألا يتطرق إلى مشكلة الإقتراب والإبتعاد التي تبين بكل بساطة أنه بات من اللازم مراجعة الأسس الأرسطية والتي أنهكت قوى علماء العرب في مطاردة المستحيل. على خلاف ما يقرره معاصره ابن ميمون نراه، كجل علماء العرب، يتهم بطلميوس الميت منذ قرون خلت بالقصور عن الإتيان بالمستحيل دون أن ينتبه أنه لا يمكن تكليف نفس إلا وسعها وأنه لم ينهض بنفسه لتلك المهمة الشريفة ولا تحمل عبئها صديقه ابن طفيل الذي وعد بذلك كما سنرى عند تطرقنا لهيئة البطروجي. على أية حال ما يهمنا هو أن ابن رشد لا يتهم الفلكيين بعدم مراعاتهم للظواهر البينة. فهو يعلم كل العلم أن للشمس حركة متغيرة السرعة وأن القمر يقترب من الأرض حينا ويبتعد عنها حينا آخر : "والذي يضعه التعالميون في زماننا هي حركة واحدة وهي التي تكون للكوكب في فلكه المائل ... فعلى هذا إنما يكون للشمس حركتان (يومية وسنوية) فقط، إلا أن يضطر الأمر إلى إدخال حركة ثالثة لمكان ما يظهر فيها من السرعة والإبطاء" (ص 1661). وإن طوى طي الكتمان حركة الإقتراب والإبتعاد لهذا النير من الراصد فإنه يعلم أن الفلكيين يحلون المعضلتين معا بتبنيهم فلكا خارجا عن مركز الأرض. (سنورد بعد حين نصه المعترف بخروج مركز الفلك القمري)
فهو لا يقبل هذه الهيئة وإن كان أبو بكر الصائغ (ابن باجة) لا يقصيها. يقول ابن رشد : "فالقول بفلك خارج المركز أو بفلك تدوير أمر خارج عن الطبع. أما فلك التدوير فغير ممكن أصلا، وذلك أن الجسم الذي يتحرك على الإستدارة إنما يتحرك حول مركز الكل لا خارجا عنه." (ص 1661). بكلمة أخرى، تقتضي علوم الطبيعة الأرسطية أن يكون هنالك مركز واحد لكل حركة سماوية : فلا اقتراب ولا ابتعاد من الراصد الأرضي إذن. وفي هذه المشكلة العويصة لا يحتكم ابن رشد إلى جواب الطبيعة بل يغيبها من محكمته غيابا تاما. هذا هو أصل انعدام العقلانية عند جل مفكرينا. إن أحكامهم مسبقة ومتعنتة ويليق في مقامهم مثل مغربي أصيل : "ولو طارت معزة". وهذا المثال مقتبس من حكاية مفادها أن صديقين اختلفا فيما ارتأى كل واحد منهما قبل التحقيق. فقال أحدهم إني أرى غرابا أسودا. أما الثاني فإنه ارتأى أن الشيء الأسود البعيد معزة. وللتيقن من حقيقة الأمر قررا الاقتراب مما رأياه. فلما طار الغراب تبين أن الأول أسلم بصرا. إلا أن صاحبه لم يذعن للحق وقال قولته المأثورة : "ولو طارت معزة".
وفي خضم شرحه لأرسطو يتحدث ابن رشد عن هيئات أودوكس وكاليب التي تطرقنا إليها والتي تبناها أرسطو بعدما أضاف إليها فلكا أعلى وأفلاكا معاكسة. وابن رشد يعتبر عن حق أن تلك الهيئات متقيدة بالمركزية الأرسطية ويقدر أنه "يجب أن يجعل الفحص من رأس على هذه الهيئة القديمة فإنها الهيئة الصحيحة التي تصح على الأصول الطبيعية وهي مبنية عندي على حركة الفلك الواحد بعينه على مركز واحد بعينه وأقطاب مختلفة، إثنان فأكثر بحسب ما يطابق الظاهر، وذلك أنه يمكن أن يعرض للكوكب من قبل أمثال هذه الحركة سرعة وإبطاء وإقبال وإدبار وسائر الحركات التي لم يقدر بطلميوس أن يضع لها هيئة، وكذلك يمكن أن يظهر له من قبل هذا قرب وبعد مثل ما عرض في القمر. وقد كنت في شبابي أؤمل أن يتم لي هذا الفحص وأما في شيخوختي هذه فقد يئست من ذلك، إذ عاقتني العوائق عن ذلك قبل، ولكن لعل هذا القول يكون منبها لفحص من يفحص بعد عن هذه الأشياء، فإن علم الهيئة في وقتنا هذا ليس منه شيء موجود وإنما الهيئة الموجودة في وقتنا هذا هي هيئة موافقة للحسبان لا للوجود" (ص 1664-1665).
إن المهندسين المعتبرين للوجود بالأرصاد وليس برصدها في كتب أرسطو، لم يجدوا أبدا حلا يمكن معه تقريب وإبعاد سطح الكرة من مركزها، لكن ابن رشد يتمنى أن يتورط في تلك الزلة غيره، وهو أعقل من أن يتورط بنفسه فيها. والبطروجي هو الفلكي الوحيد الذي سيحاول تحقيق حلم ابن رشد وابن طفيل، كما سنرى، مع تناسيه لهذه الظاهرة المكدرة للمثال الأفلاطوني ثم الأرسطي. وقبل التطرق إلى هيئة البطروجي نود تقديم موقف ابن ميمون المتخرج من نفس المدرسة الأندلسية لنرى كيف يفلت من هذا المأزق الفكري والعلمي الذي واجهته نخبة العصور الوسطى والذي مفاده أن فيزياء أرسطو متناقضة مع قواعد الهندسة ومخالفة لنتائج الأرصاد منذ صباها، إضافة إلى مخالفتها لفيزياء أرخميدس الذي كاد أن يكون معاصرا لأرسطو كما أوردنا ذلك.
ومن قبيل الإنصاف أن ننبه مرة أخرى أنه لم يكن ابن رشد متخذا لنفس الموقف المتحيز لأرسطو مما يدلنا على عوامل مستجدة في سيرته. لقد بين الدكتور عبد الحميد صبره، أستاذ تاريخ العلوم عند العرب بجامعة هارفارد أن ابن رشد لم يجد أي حرج في تبني الحلول البطلمية في تلخيصه لكتاب ما بعد الطبيعة ( ). إلا أن رأيه تغير كلية في شرحه الكبير لهذا الكتاب كما رأينا بالتفصيل. إنه من المفيد، كما يقول الدكتور صبره، دراسة أسباب هذا الموقف المتأرجح. وقد يكون لقائه المشهود بالمشائين (الأرسطيين) أبي يعقوب المنصور وابن طفيل هو المنعطف الذي مكن للسيطرة الأرسطية أن يستتب لها الأمر.

3.4.2 - حيرة ابن ميمون ورباعياته
إن شهادة ابن ميمون لتعبير صريح وواضح على نفس المشاكل العلمية التي واجهتها نخبة الأندلس سواء أكانت من المسلمين أم لا. إننا نجد بكتابه العربي الفصيح "دلالة الحائرين"( ) ما يدلنا بدقة على حيرتهم أمام التعايش لعلم الفلك البطلمي الرياضي من جهة وفيزياء أرسطو من جهة ثانية. فهو على خلاف ابن رشد، يقر لكل منهما بالصحة في ميدانه وينتهي إلى البرهنة على أنه لا يمكن التوفيق بينهما في مجال السماوات وينزل العلم الأرسطي إلى ما تحت فلك القمر.
يشرح ابن ميمون أن حركات الأفلاك التي كان يلقنها لتلاميده، رغم تشكيكه في أسسها الفيزيائية، تقوم على أصلين اثنين : ''إما فلك تدوير أو فلك خارج المركز أو كليهما جميعا. وها أنا أنبهك على كون كل واحد من الأصلين خارجا عن القياس بالجملة مخالفا لكل ما تبين في العلم الطبيعي". (ص 345)
وابن ميمون يعيب على هيئة فلك التدوير أنه يلزم عنها ما يسميه الدحرجة : "... وهذا يلزم منه الدحرجة ضرورة، وهو أن يكون فلك التدوير يتدحرج ويبدل جملة مكانه، وهذا هو المحال الذي هرب منه أن يكون هناك شيء يبدل مكانه. ولذلك ذكر أبو بكر الصائغ [ابن باجة] في كلامه الموجود له في الهيئة أن وجود فلك تدوير محال." (ص 345)
يخبرنا ابن ميمون هنا أن ابن باجة سبق إلى الشك في صحة الهيئات البطلمية. فالآخذون بنظرية أفلاطون القائلة بأن الكون لا يعرف إلا حركة مثالية هي أحسن الحركات إذ يدور بشكل أزلي دون أن يبرح مكانه، فهؤلاء لا يمكنهم الإقرار بما تجاوزه علماء الإغريق الذين تخلصوا من تلك المقولة. لذا نراهم يتوقون إلى العودة إلى مركز واحد هو مركز الأرض. وإضافة إلى ذلك المثال، قرر أرسطو أن حركة الدوران لا يمكن أن تكون إلا حول ما هو ساكن. يقول ابن ميمون :
"وأيضا تمهيدات أرسطو في العلم الطبيعي أنه لا بد من شيء ثابت حوله تكون الحركة. ولهذا لزم أن تكون الأرض ثابتة. وإن كان فلك التدوير موجودا، فهذه حركة استدارة حول لا شيء ثابت. وقد سمعت أن أبا بكر ذكر أنه أوجد هيئة لا يكون فيها فلك تدوير بل بأفلاك خارجة المراكز لا غير. وهذا لم أسمعه من تلاميذه. وحتى لو صح له ذلك لم يربح في هذا كبير ربح لأن خروج المركز أيضا فيه الخروج عما أصله أرسطو لا مزيد عليه." (ص 345)
فابن ميمون ، كابن رشد في شيخوخته، يذهب إلى أقصى ما تقتضيه فيزياء أرسطو على خلاف ابن باجة. لذا يصرح أن الأفلاك الخارجة المركز لا توافق تمهيدات أرسطو. والتبرير الذي يقدمه مهم جدا لأنه يدلنا على أن أهل زمانه تداولوا معرفة دقيقة لأبعاد الكواكب وكانوا يعلمون أين توجد مراكز الأفلاك لكل كوكب على حدة : "... فإن زعم من لا علم له بعلم الهيئة أن خروج المراكز منذ تلك النقطة [وسط الأرض] داخل فلك القمر كما يبدو بأول خاطر فهي حركة حول الوسط، ونحن نتسامح له في كونها تكون حول نقطة في النار أو في الهواء. وإن لم تكن الحركة حينئذ حول شيء ثابت ونبين أنه قد تبرهن مقادير خروج المراكز في المجيسطي بحسب ما وضع هناك، وبرهن المتأخرون بالبرهان الصحيح الذي لا شك فيه، كم مقدار خروج تلك المراكز بنصف قطر الأرض كما بينوا الأبعاد كلها والأعظام" (ص 346). إن ابن ميمون لا يشك في أرصاد وحسابات علماء عصره فهو يمنحهم ثقة أكثر مما يمنحه لقدماء الحكماء وإن كانوا في مرتبة أرسطو.
كان نصف قطر الأرض (أي شعاعها) يؤخد كمعيار لأبعاد الكواكب وعظمتها. ويتابع ابن ميمون :"فتبين أن النقطة الخارجة عن مركزالعالم التي تدور حولها الشمس... خارجة عن مقعر فلك القمر ضرورة، ودون محدب فلك عطارد...". ولفهم ما يقوله ابن ميمون نذكر أن الأفلاك كقشرة البصل، مقعرها هو الوجه الداخلي لتلك القشرة ومحدبها هو الوجه الخارجي وما بينهما هو لحمة الفلك.
وبعد التذكير بموضع مركز كل كوكب على حدة يخلص ابن ميمون إلى استنتاج بعدها عن قواعد الفيزياء الأرسطية قائلا :"فأرى كم في هذه الأمور من البعد عن النظر الطبيعي" (ص 346). لا يدع ابن ميمون أي شك في أن تلك المراكز بعيدة جدا عن مركز الأرض. وينبهنا أن علماء الفلك الأوائل مثل ثابت ابن قرة وقفوا على تلك الشبهات، مما اضطرهم إلى تصور أفلاك إضافية : "وقد بين ذلك ثابت في مقالة له وبرهن على ما قلناه أنه لا بد من جسم فلك بين كل فلكين" (ص 346).
بعد هذا يتطرق ابن ميمون إلى ظاهرة سماوية أخرى أجبرت بطلميوس على نهج سلوك مخالف للأصول التي قال بها جداه أفلاطون وأرسطو كما رأينا ذلك سابقا. يقول ابن ميمون : "أما أمر الميل والإنحراف المذكور في عرض الزهرة وعطارد، فقد بينت لك شفاها وأريتك امتناع تصور وجود ذلك في الأجسام. وبطلميوس قد صرح بالعجز في هذا كما رأيت، وقال بهذا النص (ولا يظن أحد أن هذه الأصول وما شابهها عسر وقوعها بأن يجعل نظره في ما مثلناه بنظره إلى ما يكون من الأشياء التي تتخذ بالحيلة ولطف الصناعة، وعسر وقوعها. وذلك أنه ليس ينبغي أن يقاس على الأمور الإلهية الأمور الإنسية) هذا نص كلامه كما علمت" (ص 347). فبطلميوس يبرر إذن خروجه عن قواعد أفلاطون وأرسطو باختلاف الأمور السماوية (الإلهية عند الإغريق) عما يتصوره البشر من أجداده.
فمعرفة ابن ميمون الدقيقة بأبعاد الكواكب ومواقع مراكزها بالنسبة لمركز الأرض هي التي تؤدي به إلى الشك في صحة الفيزياء الأرسطية المتعلقة بشؤون السماء، خاصة وأن اختصاصيا بتلك المادة وضع مقولات رياضية يمكن مراقبة موافقتها لما يرقبه الراصدون والمتتبعون لظواهر السماء : "وقد أرشدتك إلى المواضع التي تحقق منها كل ما ذكرت لك، إلا ما ذكرت لك من تأمل هذه النقط التي هي مراكز الأفلاك الخارجة أين تقع، لأني ما مر بي قط من جعل ذلك في باله. وهذا يتبين لك من معرفة مقدار قطر كل فلك، وكم بين المركزين بنصف قطر الأرض على ما برهن القبيصي في (رسالة الأبعاد( )). فإنك إذا تأملت تلك الأبعاد تبين لك صحة ما نبهتك عليه. فتأمل عظيم هذا الإشكال، إن كان ما ذكره أرسطو في العلم الطبيعي هو الحق فلا فلك تدوير ولا خارج المركز والكل يدور حول مركز الأرض." (ص 348)
إن هذا الفهم الميموني فهم صحيح لا مراوغة فيه. هذا الطرح للمشكلة هو الذي يؤدي به إلى إقصاء النظريات الفلكية الأرسطية وتحديد لمهمة علماء الفلك دون تقييدهم بفيزياء سماوية غير برهانية : "فكيف يوجد للكواكب هذه الحركات المختلفة؟ وهل ثم وجه يمكن معه أن تكون الحركة دورية مستوية كاملة، ويرى فيها ما يرى إلا بأحد أصلين أو بمجموعها، ولا سيما بكون كل ما ذكر بطلميوس من فلك تدوير القمر وانحرافه نحو نقطة خارجة عن مركز العالم وعن مركزه الخارج يوجد ما يحسب بحسب وضع تلك الأصول لا يغادر دقيقة واحدة، ويشهد على صحة ذلك صحة الكسوفات المحسوبة بتلك الأصول دائما، وتحرير أوقاتها، وأزمنة إظلامها، ومقاديرها. وكيف يتصور أيضا رجوع الكوكب مع سائر حركاته دون فلك تدوير؟ وكيف يمكن أيضا أن تتخيل هناك دحرجة أو حركة حول لا مركز ثابت؟ فهذه الحيرة بالحقيقة.
وقد بينت لك شفاها أن هذا الكلام لا يلزم صاحب الهيئة لأن ليس مقصوده أن يخبرنا بصورة وجود الأفلاك كيف هي، بل قصده أن يفرض هيئة يمكن بها أن تكون الحركات دورية ومستوية وتطابق ما يدرك عيانا، كان ذلك الأمر كذلك أم لم يكن" (ص 348)
فابن ميمون يقبل إذن باختراق قوانين أرسطو وتجاوز مركزيتة الضيقة، لكنه يظل متتقيدا بأصل الحركات الدورية المستوية التي قال بها أفلاطون. فسحر شيخنا هذا أشد قبضة من أرسطو، إمام المناطقة.
هذا تعبير واضح على أن اعتماد علماء الفلك في زمان ابن ميمون على أصول بطلميوس التي تمكنهم من إقامة حسابات دقيقة لمنازل القمر والتنبإ بكسوفاته. وما يحيره هو أن ذلك البنيان قائم على أسس فيزيائية بعيدة عما قال به أرسطو. ويخبرنا ابن ميمون أن أهل الأندلس بدأوا يشككون في اطلاع المعلم الأول على الظواهر السماوية ومعرفته بالمقادير الرياضية. وهذا تساؤل مهم جدا، إذ نعلم أن العلم تقدم كلما تراجعت فيزياءه الوصفية التي ظلت مكبلة لكل بحث علمي رصين، إنه بداية الحكمة عند العرب : "وقد علمت أن أبا بكر ابن الصائغ يشك في كلامه في الطبيعيات هل علم أرسطو خروج مركز الشمس وسكت عنه" (ص 348). ويجيب ابن ميمون على هذا التساؤل متوخيا العذر لأخطاء أرسطو وذلك بتقديره أنه كان جاهلا لتلك الظاهرة وأنه لم يتوفر على الأدوات الرياضية الكافية : "والصحيح أنه ما أدركه ولا سمعه قط [خروج مركز الشمس]، لأن التعاليم لم تكتمل في زمانه، ولو سمعه لأنكره أشد إنكار" (ص 349). لقد بينا سابقا أن سوسجين (وهو فلكي من القرن السابق للميلاد) يشهد بشهادة مختلفة كل الإختلاف، إذ يؤكد أن الآخذين بهيئة أودوكس الوحيدة المركز كانوا على علم باقتراب القمر من الأرض وابتعاده منها. وزملاء أرسطو، كما بينا، برهنوا على عدم توسط الأرض لمدار الشمس إذ مدد الفصول كانت عندهم معروفة بشكل دقيق جدا وكذا تسارعها المتغير كما كانت الأرصاد البابلية قد سجلت ذلك.
وأخيرا ينتهي ابن ميمون إلى حل فكري يقلص من صلاحية الفيزياء الأرسطية إذ يعتبرها متماسكة بالنسبة للعناصر التي تتواجد دون فلك القمر ويعترف أن أحوال السماء لا تشرحها غير تلك المعارف الرياضية القليلة التي كان أهل زمانه قد حصلوها : "والذي قلته قبل هو الذي أعيده الآن وهو أن كل ما ذكره أرسطو من لدن فلك القمر جرى على قياس، وجاءت أمور معلومة العلة لازم بعضها لبعض، ومواضع الحكمة فيها والعناية الطبيعية بينة واضحة. أما كل ما في السماء فما أحاط الإنسان بشيء منه إلا بهذا القدر التعليمي اليسير" (ص 349).
وابن ميمون يفصل الأمور بكل إنصاف وتبصر إذ لا يعتبر علم فلك عصره بكليته مبنيا على البرهان : "اعلم أن هذه أمور الهيئة إذا قرأها وفهمها رجل تعليمي [رياضي] فقط، فيظن أنها برهان قاطع على أن صورة الأفلاك وعددها هكذا، وليس الأمر كذلك، ولا هذا مطلوب من علم الهيئة". فابن ميمون لا يحتفظ إلا بما تبين بالأرصاد : "بل منها أمور برهانية...كما تبرهن أن طريق الشمس طريق مائل عن معدل النهار وهذا ما لا شك فيه". ومن لوازم الحلول الفلكية عنده أن تكون موافقة لما يراه كل راصد. ويقترح طريقة للإعتماد على الحل الهندسي المبني على أقل الأفلاك، فهو مثلا يفضل حلا مبنيا على فلك مائل فقط عوض حل مبني على فلكين (حامل ومدير) يعطيان نفس النتيجة.
إنه لا يسعنا إلا أن نحترم حيرة ابن ميمون وتواضعه حين يقول : "فهذا غاية ما عندي في هذه المسألة. وقد يمكن أن يكون عند غيري برهان تبين له به حقيقة ما اشكل علي. وغاية إيثاري للتحقيق أني صرحت وأخبرت بحيرتي في هذه المعاني، وإنما لم أسمع برهانا على شيء منها ولا علمته" (ص 349). لكننا مع هذا الاحترام، نظن أن موقف ابن رشد والبطروجي أكثر فائدة في البحث عن حل لهذه التناقضات المزمنة وإن لم ينجحا في ذلك، ورغم تناقضات كلامهما. إننا نظن أن التقدم العلمي يحصل مرات عديدة عندما يبحث البشر عن المستحيل مثل الحصول على حركة سرمدية perpetum mobile. وتفضيلنا هذا بعيد كل البعد عن أي تحيز ديني أو عرقي كما قد يخطر ببال البعض لأننا نعتقد أننا نحن أبناء حوض البحر الأبيض المتوسط ورثة للسوماريين والبابليين والمصريين والإغريقين والرومانيين والأرميين والعبريين والعرب على حد سواء، شئنا ذلك أم كرهناه. ونحن لا ننسى قيمة الفينقيين الذين علمونا جميعا الأبجدية التي تمكننا من الوصال رغم اختيار البعض كتابة كل الحركات والإتجاه من اليسار إلى اليمين. ونتمنى أن يفهم جميعنا أننا ثقافيا شرقيون-غربيون منذ أزمان خلت.
يقر ابن ميمون إذن، ككل علماء القرون الوسطى، بصحة الفيزياء الأرسطية القائلة بطبيعة العناصر الدنيئة والتي تمكث بمكانها الطبيعي تحت فلك القمر. من هذا يتبين أنه يجهل "دفعة أرخميدس". والدليل على ذلك هو ما يورده بشأن القوة المحركة للهواء : "...والميل آني الوجود لأن الميل مغاير للحركة اعتبره بالزق [الشكوة، القربة] المنفوخ المسكن تحت الماء قسرا، فإنك تجد فيه ميلا محسوسا مع عدم الحركة..." (ص 253). بعبارة عصرية، يعتبر ابن ميمون، ككل الأرسطيين، أن الهواء يميل إلى الرجوع إلى مكانه الطبيعي المتواجد فوق الماء وتحت النار. وذلك الميل معاند للحركة القسرية التي تريد غطسه تحت الماء. إنه تفسير بعيد كل البعد عن هندسة أرخميدس كما بينا ذلك قبل حين.
لا يسعنا إلا أن نقرر قصور الفيزياء عند علماء العرب. ولا يهمنا هل وصلتهم ترجمات أرخميدس أم لا. فأرخميدس لم يحتج لسابق وإنما لدراسة ظواهر طبيعية بأدوات هندسية كانت لم تبلغ ذلك التطور الذي عرفته عند العرب بالشرق وكذا بالأندلس. وللتدليل على ذلك يمكننا التذكير بأن الزرقالي الأندلسي كان قد اخترع الأسطرلاب المعروف بالشكازية والذي يصلح لكل العروض بينما كان الأسطرلاب القديم المرتكز على هندسة بطلميوس لا يصلح إلا لعرض واحد. وصنع هذه الآلة يتطلب معارفة هندسية أكيدة. إضافة إلى هذا، يمكننا اعتبار أرخميدس أحق بتقليد جده أرسطو من علماء العرب، مسلمين كانوا أم مسيحيين أم يهودا. لكن أرخميدس كان يعيش زمان حرية فكرية لم تعرفها القرون الوسطى إلا ناذرا.
وربما يساعدنا ابن ميمون على فهم مبررات تقيد القرون الوسطى بفيزياء أرسطو وبمثالية أفلاطون وعدم إعادة النظر في أسسها. إنها، على ما نظن، أسباب عقائدية مشتركة لأهل الكتاب. ولأهمية هذا الموضوع سنلجأ إلى سرد مطول من كتابه دلالة الحائرين لأن عباراته توضح لنا تصورات عصره ولا تحتاج إلى إضافة تأويلات من إنتاجنا.
يدلنا ابن ميمون على أن الاصطدام مع فلسفة الإغريق وعلومهم سجل أول الأمر عند المسيحيين عندما تنصر ملوك الإمبراطورية الرومانية. ولقد أسفر هذا الصدام على ما يعرف بعلم الكلام عند النصارى المتداولين لليونانية والسريانية قبل أن ينتقل فيما بعد إلى العربية ودار الإسلام : "واعلم أن كل ما قالته فرق الإسلام في تلك المعاني، المعتزلة منهم والأشعرية هي كلها آراء مبنية على مقدمات، تلك المقدمات مأخوذة من كتب اليونان والسريانيين الذين راموا مخالفة آراء الفلاسفة ودحض أقاويلهم". والسبب هو أن مقولات الفلاسفة تناقض آراء المسيحيين مناقضة بينة. وهكذا "نشأ فيهم علم الكلام وابتدءوا ليثبتوا مقدمات نافعة لهم في اعتقادهم ويردوا على تلك الآراء التي تهد قواعد شريعتهم. فلما جاءت ملة الإسلام ونقلت إليهم كتب الفلاسفة، نقلت إليهم أيضا تلك الردود التي ألفت على كتب الفلاسفة، فوجدوا كلام يحيى النحوي وابن عدى وغيرهما في هذه المعاني". (ص 181)
وبما أن عقيدة الإسلام مختلفة عما يعتقده المسيحيون فإن المسلمين سيواجهون مسائل لم يكن قد تطرق إليها سابقوهم. إلا أن مشكلا أساسيا ظل يواجه مفكري الإسلام والنصارى واليهود بنفس الإلحاح. يقول ابن ميمون : "ولا شك أن ثم أشياء تعمنا ثلاثينا أعني اليهود والنصارى والإسلام، وهي القول بحدث العالم الذي بصحته تصح المعجزات وغيرها" (ص 181). بعبارة عصرية : يواجه رجال الدين اعتقاد جل فلاسفة الإغريق المتشبثين بالتجرية اليومية والقائلين إنه "لا يمكن إنتاج أي شيء من العدم" وهذا ما تعبر عنه فيزياءنا العصرية بمقولة "لا شيء يندثر ولا شيء يظهر للوجود وإنما الكل في تغير مستمر". فابن ميمون يذكرنا بشيء بديهي وهو أن ديانات التوحيد مؤسسة على معجزة المعجزات ألا وهي خلق العالم والكون من لا شيء سبقه للوجود غير الخالق وأن الخالق ليس من مادة. ويدلنا هذا المفكر الأندلسي التكوين على العملية الذهنية التي كانت مشتركة عند كل علماء الكلام. وتحليله مفيد جدا لفهم كل المشاكل الزائفة التي تخبط فيها أهل القرون الوسطى دون أية منفعة سوى تأجيج حروب عقائدية بين الفرق الفقهية داخل كل دين إضافة إلى الإضطهاد والحروب الطاحنة بين أهل الديانات الثلاثة. يقول ابن ميمون في هذا المقام : "وبالجملة أن كل المتكلمين من اليونان المتنصرين ومن الإسلام، فإنهم لا يتبعون الظاهر من أمر الوجود [الظواهر الطبيعية كما هي] بل يتأملون كيف ينبغي أن يكون الوجود حتى يكون منه دليل على صحة هذا الرأي أو لا يناقضه" (ص 182). وهو يذكرنا كذلك أن اليهود أخدوا من علماء الكلام مقولات تساندهم في آراءهم الدينية. وبما أن ابن ميمون تكون بمدرسة كانت العقلانية قد تغلغلت إلى تعليمها، فإنه يفضل، على ما يبدو لأول وهلة، الإنطلاق من الطبيعة وظواهرها قبل البث في قوانينها : "وجملة أقول لك كما يقوله تاميسيوس : ليس الوجود تابعا للآراء بل الآراء الصحيحة تابعة للوجود". ورغم هذه الشعارات الطيبة والحكيمة لا يسعنا إلا تقرير أن ابن ميمون ككل علماء العصور الوسطى لم يكن قد انتبه إلى تجارب أرخميدس ولا أقام أي رصد دقيق كسابقيه بل اكتفى بالتدريس والتعليم داخل مؤسسات دينية لا تكترث بالعمليات المادية الدنيئة بل تهتم أولا وقبل كل شيء بالشريعة والقانون والفقه وما يمكن لسلطتهم على شعوب القرون الوسطى.
إن كنا نروم هنا تقييم الفلسفة والعلوم القروسطية حق قدرها دون مبالغة أو مدح، فليس معنى ذلك أننا لا نقدر مخلفاتها الثقافية والمعمارية والحضارية والروحية القيمة. فالحضارة ليست علما وفلسفة فحسب بل الإنسانية محتاجة إلى "منتوجات" لا يمكن للعلم وحده أن يقدمها لها. فالعلم يخفف طبعا من عناءنا ويقوي مقدراتنا لكنه لا يدلنا على القيم الروحية والجمالية.
وقبل العودة إلى صميم موضوعنا ورباعيات ابن ميمون الفلكية نود توضيح رأيه في المسألة المركزية لعلم الكلام "هل الكون قديم أم محدث". إنه كرجل متدين لا يومن طبعا بقدم العالم بل بخلقه، ولكنه يبين أنه لا يمكن فصل المقال في هذه المسألة وإن كان يتمنى أن ينهض بهذه المهمة صاحب شريعة مقتدر ليحسم الأمر لصالح أهل الكتاب : "وغاية قدرة المحقق عندي من المتشرعين أن يبطل أدلة الفلاسفة على القدم. وما أجل هذا لوقدر عليه، وقد علم كل ناظر ذكي محقق لا يغالط نفسه أن هذه المسألة، أعني قدم العالم أو حدوثه، لا يوصل إليها ببرهان قطعي وأنها موقف عقلي... ويكفيك من هذه المسألة أن فلاسفة الأعصار مختلفون فيها منذ ثلثة آلاف سنة إلى زماننا هذا فيما نجد من تآليفهم وأخبارهم. فإذا كان الأمر في هذه المسألة هكذا فكيف نتخذها مقدمة نبني وجود الإله عليها، فيكون إذن وجود الإله مشكوكا فيه : إن كان العالم محدثا، فثم إله، وإن كان قديما فلا إله. إما هكذا أو ندعي البرهان على حدث العالم ونضارب بالسيف حتى ندعي أنا علمنا الله بالبرهان. وهذا كله بعد عن الحق." (ص 183) .
يتبين من هذا أن ابن ميمون غير مهيء للتضارب بالسيف إنطلاقا من مواقف عقلية غير يقينية. ورغم ذلك يعلن على اختياره لطرق الفلاسفة القائلين بقدم العالم ويبرر موقفه كما يلي : "ليس لأني أعتقد قدم العالم، أو أسلم لهم ذلك، بل لأن بتلك الطريق يصح البرهان". فهو محتاج إذن لطرقهم كي يتمكن من البرهنة على مقدمات عقائدية أساسية : وجود الإله ووحدانيته ونفي الجسمانية عنه. نقف هنا بكل وضوح أمام الحدود التي لا يمكن للبرهان الإغريقي أن يتجاوزها ونرى كيف يسخره (كوسيلة وآلة) وكيف يتعامل معه مفكر من أهل الكتاب. وبامكاننا اعتبار ابن ميمون كممثل لهم لأن مقدماته هذه مشتركة لا نزاع فيها بين رجال الديانات المتوسطية الثلاثة، وإن كان المسيحيون يقبلون بما يشبه تأليه المسيح.
ونعود الآن إلى تصورات ابن ميمون الفلكية. فهو يعتبر الكون منتميا إلى الأحياء. ويخيل إلينا أن جل المسلمين تجنبوا هذا الإعتقاد أوسكتوا عنه. يقول ابن ميمون بالحرف : "اعلم أن هذا الموجود بجملته، هو شخص واحد لاغير، أعني كرة الفلك الأقصى بكل ما فيها". (ص 186). وهو يشبه هذا الموجود واختلاف عناصره وحركاته بجسم الإنسان المؤلف من أعضاء مختلفة ومن مواد مختلفة كاختلاف العضم عن اللحم. إضافة إلى هذا يتكون الكون من أرواح. والكون عنده مصمت لا خلاء فيه ومركزه هو وسط الأرض. إلا أنه يقر للأفلاك المحكمة الإستدارة أن تدور حول مراكز خارجة عن مركز الأرض ولكن بسرعات لا تتغير. فهي لا تبطء حينا ولا تسرع حينا آخر. ويقر لهذه الأكر أن تدور من الغرب نحو الشرق أو العكس. لكنه لا يوضح هل يسمح لها بالدحرجة أم لا. بعبارة أخرى، لا نعلم هل يقر بأفلاك التدوير أم لا. لكن هذا ليس بمهم إذ نعلم أنه مستعد لقبولها بمجرد إقصاءه لفيزياء أرسطو من مجال السماوات وإقراره بامتياز بطلميوس بتلك الأجواء. بعد هذا يتطرق ابن ميمون لعدد الأفلاك ويقول : "وعدد هذه الأكر المحيطة بالعالم لا يمكن بوجه ولا على حال أن تكون أقل من ثماني عشر كرة. وأما هل عددها أكثر فممكن وفيه نظر، وأما هل ثم أفلاك تداوير وهي التي غير محيطة بالعالم ففيه نظر" (ص 187). إنه لم يشرح سبب اعتباره لعدد ثمانية عشر على الأقل. ولم نعثر على تفسير لذلك العدد. على أية حال ينطلق ابن ميمون من هذا الإضطراب في عدد الأفلاك ومن اختلاف العلماء في ترتيب الكواكب ليضيف إلى ذلك نظريتة الرباعية المبنية على الأسطقسات الأربعة : الأرض والماء والهواء ثم النار.
وبما أن السماوات جسم فإن ابن ميمون يمنحها نفسا بها تتحرك. وهي بحركتها من تلقاء نفسها تحرك العناصر الأربعة حركة قسرية : "وإذا تحرك الجسم الخامس دورا، بجملته دائما حدث في الأسطقسات من أجل ذلك حركة قسرية تخرج بها من مواضعها أعني في النار والهواء، فيندفعان إلى الماء وينفذ الجميع في جرم الأرض إلى أعماقها فيحدث للأسطقسات اختلاط ثم تأخد في الرجوع لمواضعها. فتخرج أجزاء من الأرض أيضا من أجل [بسبب] ذلك عن مواضعها وتتأثر بعضها من بعض فيقع التغير في المختلط حتى يكون منه أولا الأبخرة على اختلاف أنواعها ثم المعادن على اختلاف أنواعها" (ص 188). يمكننا أن نعتبر هذا القول كوصف لضغط الأفلاك على النار ثم الهواء ثم الماء فالأرض، قبل تخفيف الضغط عليها لتعود إلى أماكنها. وينتج عن هذه المضخة السماوية اختلاط يسفرعنه تكون المعادن بجوف الأرض. ليس هذا فقط بل كل الحياة على الأرض إنما سببها اختلاط العناصر. فتأثير السماوات لا ينحصر عند ابن ميمون في بلورة المعادن بل هي مشاركة في تدبيركل ما يحدث بدنيانا : "وكما أن في جسم الإنسان أعضاء رئيسية وأعضاء مرأوسة مفتقرة في بقاءها لتدبير العضو الرئيس الذي يدبرها، كذلك في العالم بجملته أجزاء رئيسية وهو الجسم الخامس المحيط، وأجزاء مرأوسة مفتقرة لمدبر، وهي الأسطقسات وما يتركب منها. وكما أن عضو الرئيس هو القلب متحرك دائما، وهو مبدأ كل حركة توجد في الجسم، وسائر أعضاء الجسم مرأوسة منه وهو يبعث لها قواها التي تحتاجها لأفعالها بحركته، كذلك الفلك هو المدبر لسائر أجزاء العالم بحركته وهو يبعث لكل متكون قواه الموجودة فيه" (ص 189). فكل حركة في العالم مبدأها الأول حركة الفلك. والقوى التي تصلنا أربع : أولاها تتحكم في الإختلاط وقوة ثانية تعطي النفس النباتية والثالثة تمنح النفس الحيوانية لكل حي ورابعتها "تعطي القوة الن
أ. د. جمال بن عمار الأحمر
أ. د. جمال بن عمار الأحمر
رئيس منظمة الشعب الأندلسي العالمية
رئيس منظمة الشعب الأندلسي العالمية

الجنس : ذكر
العمر : 64
تاريخ الميلاد : 22/02/1960
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
عدد المساهمات : 2937
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 3
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 4878
العمل/الترفيه : أستاذ جامعي. مؤسس في حركة إسلامية قوية في نهاية السبعينيات. وسياسي قديم. ومرشح برلماني سابق

http://www.andalus-woap.org

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى