لقب ابن سعيد في المغرب
2 مشترك
منظمة الشعب الأندلسي العالمية World Organization of Andalusian People :: الترحيب والتحميلWELCOME AND DOWNLOADS- BIENVENIDA Y DESCARGAS-BIENVENUE ET TÉLÉCHARGEMENTS :: اسأل عن أصلك الأندلسي - Respuestas: su ascendencia andaluza - Answers: your Andalusian ancestry – Réponses: votre ascendance andalouse
صفحة 1 من اصل 1
لقب ابن سعيد في المغرب
وأنا أيضا إسمي العائلي أحمد بن سعيد من المغرب أود أن أسأل عن أصلي لأننا سلالتنا من الأندلس والله أعلم
أحمد- عضو في منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
تاريخ التسجيل : 17/02/2012
عدد المساهمات : 7
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 5
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 11
أحمد- عضو في منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
تاريخ التسجيل : 17/02/2012
عدد المساهمات : 7
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 5
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 11
رد: لقب ابن سعيد في المغرب
[center]
أخي الفاضل أحمد؛
كان أحد الإخوة قد سألني عن لقب (ابن سعيد) في المغرب، وأجبته جوابا مطولا كنت قد تعبت في البحث عن تفاصيله، وفي كتابته، لكني لا أجده الآن، وتأخرت عن إن إجابتك، مشغولا بالبحث عنه.
ونسبة (ابن سعيد) ثابتة جدا في الأندلس.
أما سؤالكم الثاني فسأبحث عنه إن شاء الله.
أ. د. جمال بن عمار الأحمر- رئيس منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
العمر : 64
تاريخ الميلاد : 22/02/1960
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
عدد المساهمات : 2938
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 3
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 4879
العمل/الترفيه : أستاذ جامعي. مؤسس في حركة إسلامية قوية في نهاية السبعينيات. وسياسي قديم. ومرشح برلماني سابق
رد: لقب ابن سعيد في المغرب
شكرا أخي د بن عمار ولك مني الف شكر
إن شاء الله أنا رهن إشارتك في اي عمل
علمي كان أو تواصلي لانني من المهتمين
في الحضار الإسلامية ولا سيما ذات المنشأ الأندلسي
لأنني تخصص الفلسفة الإسلامية والحضار الإسلامية
إن شاء الله أنا رهن إشارتك في اي عمل
علمي كان أو تواصلي لانني من المهتمين
في الحضار الإسلامية ولا سيما ذات المنشأ الأندلسي
لأنني تخصص الفلسفة الإسلامية والحضار الإسلامية
أحمد- عضو في منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
تاريخ التسجيل : 17/02/2012
عدد المساهمات : 7
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 5
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 11
رد: لقب ابن سعيد في المغرب
1- جازاكم الله خيرا أخي الأستاذ أحمد على أريحيتك.
2- أنا أخوك (ابن الأحمر) واسمي (جمال)، واسم والدي (عمار).
3- فرحت كثيرا أن تحمل المؤهلات التي ذكرتها، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بها في الدنيا والآخرة.
4- أمنيتي هي أن يلتزم المنتسبون إلى المنظمة من أمثالك بالكتابة في الموقع مرة كل أسبوع، على الأقل، مثلما يلتزم المنتسبون الآخرون إلى جمعياتهم وهيئاتهم وأحزابهم ونقاباتهم وجماعاتهم.
5- وأرجو من حضرتك الالتزام بالكتابة هنا في هذا المنتدى، بكل ما يشغل بالك من موضوعات منقولة عن منتديات أخرى، سواء أكانت أندلسية أم غير أندلسية، ومناسبات، وعروض كتب، ومقالات، وكتب للتحميل، وغير ذلك.
6- أنا أقوم بتدريس عدة مساقات في العلوم الاجتماعية والإنسانية، منها: الفلسفة العامة، وفلسفة العلوم، والمنطق، لكني أنقدها، ولا أسميها إسلامية، ولا شك أن في ذلك نفعا، وخاصة في فلسفة العلوم.
عدل سابقا من قبل د. جمال بن عمار الأحمر في الإثنين 20 فبراير 2012, 17:27 عدل 1 مرات
أ. د. جمال بن عمار الأحمر- رئيس منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
العمر : 64
تاريخ الميلاد : 22/02/1960
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
عدد المساهمات : 2938
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 3
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 4879
العمل/الترفيه : أستاذ جامعي. مؤسس في حركة إسلامية قوية في نهاية السبعينيات. وسياسي قديم. ومرشح برلماني سابق
رد: لقب ابن سعيد في المغرب
لقد حولت بقية الموضوع إلى تاريخ الأندلس
أ. د. جمال بن عمار الأحمر- رئيس منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
العمر : 64
تاريخ الميلاد : 22/02/1960
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
عدد المساهمات : 2938
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 3
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 4879
العمل/الترفيه : أستاذ جامعي. مؤسس في حركة إسلامية قوية في نهاية السبعينيات. وسياسي قديم. ومرشح برلماني سابق
رد: لقب ابن سعيد في المغرب
أسر أندلوسية هاجرت إلى شمال افريقيا
ة
استقر المسلمون بالأندلس ثمانية قرون منذ أن فتحها طارق بن زياد سنة 92هـ بإمرة موسى ابن نصير، فأنشأوا فيها حضارة عمرانية لم يشهدها التاريخ، وازدهرت فيها حلقات العلم والثقافة والفكر، إلى أن أصبحت الأندلس البوابة الحضارية الأولى لأوروبا في العصر الوسيط، حيث كان يتم عبرها الانفتاح عن باقي الحضارات الأخرى. إلا أن المسلمين لم يحافظوا على وحدتهم وعقيدتهم وتماسكهم، فاتبعوا سبيل الشهوة والغواية والفتنة والشذوذ، ثم مالوا إلى حياة البذخ والترف والتقاعس عن الجهاد، ثم انغمسوا في حروب أهلية طائشة، فتكالب عليهم النصارى من كل حدب وصوب، ثم أوقعوهم في هزائم عدة، إلى أن تم طردهم من الأندلس بصفة نهائية، بعد أن انعقدت محاكم التفتيش المسيحية،فكانت آخر مملكة في الأندلس هي مملكة غرناطة التي سقطت بين يدي ملكي إسبانيا فرناندو الثالث وإيزابيلا سنة897هـ. ويعد أبو عبد الله الصغير ، حاكم مملكة غرناطة المعروفة بالقصور الحمراء، آخر ملوك الإسلام بالأندلس.
وهكذا، فقد نزح الكثير من الأندلسيين والموريسكيين نحو الثغور المغربية، وبالضبط إلى ثغور منطقة الريف التي تشمل اليوم أربعة أقاليم كبرى، وهي: مليلية، والحسيمة، والناظور، والدريوش، أو تشمل – جغرافيا- الريف الشرقي والريف الأوسط والريف الغربي.إذاً، ماهو سياق نزوح الأندلسيين والموريسكيين إلى منطقة الريف؟ وماهي الأماكن الريفية التي استقر بها الأندلسيون ؟ وماهي أهم هذه الأسر الأندلسية التي تفرقت في مختلف ربوع الريف؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول رصدها في هذه الورقة التي بين أيدينا.
سيــــاق الهجـــرة والنـــــزوح:
يعلم الجميع بأن المسلمين قد حققوا في الأندلس حضارة فكرية وعمرانية وعلمية وتقنية كبرى، يشهد لها الداني والقاصي، كما يعترف بها المسلم والعدو على حد سواء. ومازالت هذه الحضارة الأندلسية المزدهرة باقية آثارها، وشاهدة على هذه النهضة الإسلامية التي أينعت في مختلف ربوع الأندلس. ومازالت إسبانيا إلى يومنا هذا تفتخر بهذه المنجزات الحضارية الكبرى التي جلبت لها الملايين العديدة من السواح من مختلف أصقاع العالم. وكل من يتأمل تاريخ المسلمين بالأندلس، فإنه سيتذكر – بلاريب- نظرية ابن خلدون في العمران البشري، تلك النظرية التي ترى بأنه مهما كانت عظمة الدولة وقوتها المادية والمعنوية، فإذا وصلت هذه الدولة إلى قمة البذخ والمجد والشهرة ، ثم انغمست في الشهوات والملذات ، ثم أكثرت من المفاسد والمناكر والمعاصي والشرور والفتن ، ثم تصارع أهلها حول الحكم والسلطة بشتى السبل، ثم انقسمت وتجزأت إلى إمارات وطوائف وممالك، فلابد أن تؤول هذه الدولة حتميا إلى السقوط والانهيار والأفول والتضعضع والزوال.
هذا، وقد حدد الدكتور علي محمد محمد الصلابي في كتابه:”صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي” مجموعة من الأسباب التي أودت بالأندلس إلى السقوط والزوال، وحصرها في الأسباب التالية:
1- تفتت كيان الشمال الإفريقي بعد سقوط دولة الموحدين، حيث تحملت دولة بني مرين حمل الجهاد وحدها في الأندلس،إلا أنها ضعفت وعجزت عن أداء رسالتها الجهادية في الدفاع عما تبقى للإسلام في الأندلس.
2- سعي ممالك إسبانيا نحو الاتحاد، وتم ذلك في الزواج السياسي الهام الذي تم بين فرديناندو الذي أصبح ملكا لمملكة أراجون، وإيزابيلا التي تبوأت عرش مملكة قشتالة فيما بعد، ثم اتحدت المملكتان النصرانيتان، وتعاونتا بعد اتحادهما على القضاء كلية على سلطان المسلمين السياسي في الأندلس.
3- الانغماس في الشهوات، والركون إلى الدعة والترف، وعدم إعداد الأمة للجهاد.
4- الاختلاف والتفرق بين المسلمين.
5- موالاة النصارى والثقة والتحالف معهم .
6- التخاذل عن نصرة من يحتاج إلى نصرة.
7- غدر النصارى، ونقضهم للعهود.
8- إلغاء الخلافة الأموية وبداية عهد الطوائف.
9- عدم سماع ملوك الطوائف لنصح العلماء.
10- الرضا بالخضوع والذل تحت حكم النصارى، والطاعة لهم.
11- سوء سياسة الولاة، وإرهاق الأمة بالجبايات.
12- الثورات الداخلية في الأندلس.
13- الابتعاد عن تحكيم شرع الله على مسلمي الأندلس.
إذاً، لقد ساهمت كل هذه العوامل والأسباب في تعجيل سقوط الأندلس كليا بيد النصارى، وعملت أيضا على تنصير الموريسكيين، وتهجير الأندلسيين الآخرين. وقد دفع هذا الواقع المزري معظم الأندلسيين والموريسكيين إلى الهجرة القسرية حيال تونس والجزائر والمغرب على سبيل الخصوص . ولقد هاجروا كذلك خوفا من بطش محاكم التفتيش المسيحية التي كانت تطارد المسلمين، وتلاحقهم أينما حلوا وارتحلوا، فكانت تخيرهم بين أمرين: إما البقاء في الأندلس بشرط التنصير ، وإما التنكيل الذي يتبعه التهجير.
مراحل هجرة الأندلسيين إلى منطقة الريف:
عرفت منطقة الريف هجرات أندلسية ابتداء من القرن الثامن الميلادي، وقبل وبعد سقوط غرناطة، وانتشرت عناصرها في جل القبائل . وفي هذا السياق، يتم الحديث عن هجرات أندلسية متعددة إلى ثغور المغرب، ويمكن حصرها في عدة مراحل كبرى، وهي:
المرحلة الأولى: كانت الهجرة الأولى سنة 136هـ/745م إلى إمارة النكور بمنطقة الريف؛ بسبب المجاعة التي أصابت الأندلس في تلك الفترة.لذلك، هاجرت بعض الأسر الأندلسية إلى إمارة النكور التي كانت تعرف في تلك الفترة رواجا اقتصاديا لانظير له.
المرحلة الثانية: تمت الهجرة الثانية في عهد الأدارسة ، مع متم بناء مدينة فاس. وذلك حينما ثار الحدادون والفقهاء على الخليفة الحكم بن هشام بقرطبة، وتسمى هذه الثورة بثورة الربض. بيد أن الحكم استطاع القضاء على هذه الثورة، فسعى إلى طرد من بقي من الفقهاء خارج الأندلس، فخرج هؤلاء إلى المغرب، فنزلوا مدينة فاس، وأسسوا :” عدوة الأندلس”.
المرحلة الثالثة: تبتدىء هذه المرحلة من سنة 1483م، وذلك قبل سقوط مدينة غرناطة ، حيث هاجر الكثير من الأندلسيين إلى الريف، وجبالة، وغمارة، والهبط. كما استقروا بمدينة شفشاون، حيث احتضنهم الأمير مولاي علي بن راشد، و أحدثوا فيها حومتي الخرازين، وريف الصبانين.
المرحلة الرابعة: تبتدىء بسقوط آخر ملوك بني الأحمر بغرناطة سنة 1493م. بمعنى أنها تتحدد بهجرة أبي عبد الله الصغير إلى مليلة، فغساسة بمنطقة الريف، والهجرة – بعد ذلك- إلى مدينة فاس، إلى أن وافته المنية سنة1534م.
المرحلة الخامسة: تتحدد هذه المرحلة بعد قرار الملكة إيزابيل طرد مسلمي الأندلس سنة 1502م.
المرحلة السادسة: وقعت الهجرة السادسة عام 1571م على إثر اندلاع ثورة منطقة البشرات بغرناطة، حيث هاجرت كثير من الأسرالأندلسية إلى شمال المغرب ، فأنشأت حومة الطرانكات بتطوان، وحومة السوق بشفشاون.
المرحلة السابعة: أما الهجرة السابعة والأخيرة فكانت ما بين سنتي 1609 و1610م، وذلك حينما أصدر الملك فيليبي الثالث مراسيم لطرد بقية مسلمي إسبانيا.
الأســــر الأندلسيـــة النازحة إلى الريف:
نزحت كثير من الأسر الأندلسية إلى ثغور المغرب، وبالضبط إلى منطقة الريف ، وذلك بعد عمليات الهجرة القسرية أو الطوعية، فاستقرت أسر أندلسية بضفاف شواطىء الريف، واختارت أسر أخرى الاستقرار بالسهول و البوادي و أعالي الجبال، واختارت أسر أخرى الاستقرار بأماكن خالية ومهجورة. وهناك من الأسر الأندلسية الأخرى التي استقرت مدة مؤقتة بمنطقة الريف، لتهجرها، بعد ذلك، إلى مدن ومناطق أخرى من المغرب، كما فعل حاكم غرناطة أبو عبد الله الذي نزل بمدينة مليلية، ثم انتقل إلى مدينة فاس ليتقرب من السلطان الوطاسي محمد الشيخ. وفي المقابل، ثمة أسر أندلسية استقرت بمناطق أخرى من المغرب، لتنتقل – بعد ذلك- إلى منطقة الريف كأسرة ” إيحاجيثان” التي قدمت من مدينة سلا لتستقر بقبيلة بني بوفراح بالحسيمة. وقد اندمجت هذه الأسر الأندلسية ضمن المجتمع الريفي الأمازيغي في بوتقة اجتماعية واحدة، فتمزغت مع مرور الوقت، وشكلت وحدة مجتمعية وقبلية من الصعب تفتيتها، حيث شكل :” تجمع العناصر الأصلية والعناصر الوافدة المحور الأول الأساس للقبائل، خاصة في بني ورياغل وبقيوة التي لم يؤثر العنصر العربي الوافد على المنطقة منذ الفتح الإسلامي على لهجتها، بل على العكس من ذلك، تبربرت جل الأسر العربية التي بقيت مستقرة بعد تخريب مدينة النكور.كل هذه العناصر التي تم تقديمها انصهرت مع مرور الزمن في قبيلة واحدة لها هويتها المتميزة.”
ولم تقتصر هذه الهجرة الأندلسية والموريسكية على المغرب فحسب، بل امتدت إلى الجزائر وتونس ومصر وأوروبا وأمريكا الجنوبية. ويلاحظ أن الأندلسيين:” كانوا يتركون ديارهم إلى بلاد المغرب في جماعات، تستقر كل واحدة منها بمدينة من المدن المغربية، بعد أن يبيعوا ما خف من المتاع بأبخس الأثمان، فيؤثرون السكن في المغرب(بالمدن) الصغرى أو القرى، وأحيانا المدن المهجورة حتى يستطيعوا أن يكونوا مجتمعا ملائما لحياتهم…فسكان مالقة اختاروا مدينة باديس، وأهل مرية مدينة تلمسان، وأهل الجزيرة مدينة طنجة، وأهل بلش مدينة سلا، وأهل طريف مدينة آسفي وأزمور… واستأذن المنظري في تعمير مدينة مرتيل، وبناء مدينة تطوان.”
ويستغرب الباحث المغربي الدكتور حسن الفكيكي من عدم وجود إشارات إلى الهجرة الأندلسية نحو قبائل قلعية أو الريف الشرقي قبل القرن العاشرالهجري . بمعنى أن المصادر لم تذكر الهجرة الأندلسية إلى قبيلة قلعية أو غساسة أو بلاد القلاع ، على الرغم من أن الهجرة ظاهرة بشرية تاريخية تتحقق بشكل طبيعي.وفي هذا النطاق، يقول حسن الفكيكي:” هناك السؤال المستفسر عن عدم ظهور أي أثر بارز للهجرات الأندلسية، خصوصا وأننا لم نصادف في المصادر المكتوبة مايدلنا صراحة على استقبال بلاد القلاع للأسر الأندلسية. ولربما نكون مخطئين إذا نفينا ذلك بالمرة، استنادا فقط إلى غياب شهادات المصادر. فالهجرة ظاهرة حتمية إذا ماقدرنا الأزمة السياسية التي اجتازتها الأندلس آنذاك، تلك الأزمة التي لم ينج من عواقبها المغرب، والشمال الشرقي المغربي بصورة خاصة.
سيبقى التعرف على مصادر هذا التنظيم وعوامله البشرية فراغا في تاريخ بلاد القلاع ماقبل القرن العاشر الهجري، والتوصل إلى ملئه رهين بمزيد من البحث والاكتشاف.”
هذا، وستزداد الهجرات الأندلسية حيال غساسة وبلاد القلاع مع القرن العاشر الهجري، وستتوالى هجرات جماعية إلى غساسة منذ خريف890هـ/ 1493م، تتقدمها هجرة السلطان ابن الأحمر بعد إقامة قصيرة بمرسى أندراش. وربما أمكن القول بأن هجرة الأندلسيين إلى الريف الأوسط (بني ورياغل وباديس)، أو الريف الغربي( شفشاون وتطوان وطنجة)، قد سبقت كل الهجرات إلى الريف الشرقي (قبيلة قلعية، وقبيلة لوطا، وقبيلة المطالسة، وقبيلة الريف).
الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الأوسط:
هناك مجموعة من الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الأوسط، وخاصة في مدينة باديس (الحسيمة)، ومنطقة بني ورياغل، ومايحيطهما من مناطق وقبائل. وأغلب الأسر الأندلسية التي نزلت بهذه المناطق هي من مدينة مالقة الساحلية. والسبب في ذلك أن مالقة كانت قريبة من شواطىء الريف الأوسط. ومن أهم هذه الأسر الأندلسية النازحة، نذكر منها:
1- أســـــرة يحيى المالقي:
استقرت هذه الأسرة الأندلسية النازحة في بداية القرن السادس عشر الميلادي في مدينة باديس ، وهي حجرة شاطئية قريبة من مدينة الحسيمة. لكن هذه الأسرة ستنتقل إلى قبيلة بني بوفراح ، وذلك بعد سيطرة الإسبان على جزيرة باديس سنة1564م.
2- أســــرة الحسن المالقي:
تعد هذه الأسرة من الأسر الأندلسية المهاجرة التي استقرت في مدينة باديس، وقد أقامت برابطة البحر مدة طويلة. هذا، وقد استوطنت المنطقة أسر مالقية كثيرة؛ بسبب العلاقات المتينة التي كانت تربط باديس ومدينة مالقة.
3- أسرة إيحاجيثـــان:
من المعروف أن أسرة إيحاجيثان أو” حجي” من الأسر الأندلسية التي استقرت في البداية بسلا، ثم انتقل بعض أفرادها إلى منطقة الريف، فاستقروا بقبيلة بني بوفراح، واستقرت بفرقة ابيحياثان.و”حسب بعض المصادر أن يحيى حجي استقر بعد مدينة باديس في مدشر إهارونن حوالي سنة1564م.وأخوه رحو استقر بإكني، ثم انتقل إلى إزلوكن.أما أبناء يحيى، وخاصة ابنه علي بن فارس بن يحيى، فإنه استوطن بصفة نهائية بفرقة ابيحياثن الذي يعتبر الجد الأول للأسر المنحدرة من هذا المدشر، وبعد استقرار العناصر الجديدة في هذا المدشر واندماجها مع الأسر الأصلية، أصبحت تحمل نفس النسب.”
ويعني هذا أن أسرة إيحاجيثان أسرة عربية أندلسية استقرت بسلا أولا، فالريف الأوسط ثانيا، ثم تمزغت عبر العصور والسنين.
4- فرقــــة إندروســـان:
يعني اسم :” إندروسان” فرقة ” الأندلسيين” الذين هاجروا من الأندلس، فاستقروا في منطقة بني ورياغل، وبالضبط في منطقة أجدير. ويرجح أن تكون هجرتهم سنة 136هـ. والسبب في هذه الهجرة المبكرة تعود إلى انتشار المجاعة بالأندلس في أثناء هذه الفترة. وفي هذا السياق، يقول عبد الرحمن الطيبي:” وسبب ترجيحنا لهذه السنة هو ماعرفته إمارة النكور من ازدهار اقتصادي.”
ويعني هذا إن إمارة النكور بالريف الأوسط كانت تعرف رواجا اقتصاديا وعمرانيا كبيرا في القرن الثاني الهجري؛ مما دفع الكثير من الأندلسيين إلى الهجرة حيالها بحثا عن الاستقرار، ودرءا للفقر والجوع والوباء .
5- أســـرة أعراص:
هاجرت هذه الأسرة الأندلس، فاستقرت بمدينة باديس، وخاصة ببني يطوفت، وكان لها نفوذ قوي في المنطقة منذ العهد الوطاسي.وبعد ذلك، هاجرت أسرة إعراصن أو أولاد أعراص منطقة بني يطوفت ، فاستقرت ببني بويفرور بأزغنغان، وكان ذلك في العهد الوطاسي.وسيقوم إعراصن بدور سياسي هام:” مع الوطاسيين بقلعية في آخر أيامهم، ثم مع السعديين بقدومهم على أعراص، استوطنوا موضع أفرا، واحتلوا منخفضا صغير المساحة منحصرا بين تل العمال وجبل العافية أو أفرا، مستأثرين بأهم بقع وادي الخميس بحكم موقعهم السياسي بقلعية.”
ويعني هذا أن أسرة أعراص من الأسر الأندلسية المهاجرة إلى الريف الأوسط، فالريف الشرقي ، و كانت لها مكانة اجتماعية كبيرة بين الناس، وحظوة سياسية متميزة ، وذلك بتقرب هؤلاء من سلاطين الوطاسيين والسعديين.
6- متصوفون أندلسيون نزحوا إلى الريف:
ذكر عبد الحق بن إسماعيل البادسي في كتابه:” المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف” بعض الأولياء والصلحاء والمتصوفة الأندلسيين الذين نزلوا بمنطقة الريف، فاستقروا فيها ، ثم قدموا كراماتهم الخارقة، ثم أظهروا الصلاح والتقوى والاستقامة. ومن بين هؤلاء: الحسن بن الخراز الذي قال عنه البادسي:” حدثني الحاج علي المؤذن الأندلسي.قال: كان الشيخ الحسن من أهل مالقة، وهو ابن أخت أبي العباس القنجري، وكان خرازا يشتغل بنسيج الديباج، وتزوج بنت عمه بمالقة، ثم زهد في الدنيا، وخرج متجردا للعبادة، قدم على باديس- وهو شيخ في حوز الثمانين سنة- أعني من عمره، ونزل برابطة البحر، فأقام بها مدة، وكان له خديم اسمه موفق، وكثر الخصب في تلك الرابطة بسببه، وكان لايصل قارب إلى مرسى باديس إلا أعطى شيئا باسم الرابطة.”
ويفهم من هذا أن الأولياء والمتصوفة الأندلسيين قد شيدوا الروابط والزوايا بالريف الأوسط، وذلك لتنوير الساكنة روحانيا، وتربيتهم عرفانيا.
الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الشرقي:
هناك مجموعة من الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الشرقي، وخصوصا في منطقة غساسة ومليلة ، وذلك بعد المحنة الكبرى التي تعرض لها الأندلسيون والموريسكيون من طرد وتهجير وتنصير وتنكيل. ونستحضر من بين هذه الأسر مايلي:
1- جماعـــة موتريل:
تعد جماعة موتريل (Motril)من الجماعات الأندلسية الأولى التي هاجرت إلى الريف الشرقي، وخصوصا إلى مدينة مليلية، فتمردت عن السلطة الوطاسية. وكانت هذه الجماعة ذات مكانة مادية كبيرة داخل المجتمع المليلي. وقد هاجرت الجماعة الأندلس في القرن التاسع الهجري، وذلك بعد تحالف قشتالة مع أراغون لطرد المسلمين من الأندلس. وفي هذا السياق، يقول حسن الفكيكي:” برزت انعكاسات أحداث الأندلس على قلعية، منذ أن تجاوزت تقديراتها سنة 886هـ/1481م في استقبال الأسر الأندلسية المهاجرة، وانسداد أبواب المراسي في وجهها، مما كان له أبلغ الأثر على الوضع العام.فبعد زحف التحالف القشتالي الأراغوني على طول الساحل الجنوبي، اقتصر النفوذ الغرناطي على الساحل الممتد بين مدينتي ألمرية وموتريل، أي مجموعة المراسي التي كانت على اتصال مستمر عبر القرون السابقة بالساحل القلعي.
وبتوالي الضغط الإسباني عليها، لم يسع سكان تلك الجهات سوى التفكير في العبور إلى الساحل الريفي المقابل. فمن مراسي موتريل وأندراش والمنكب، انطلقت المراكب وعلى ظهورها الأندلسيون المطرودون لتحط بمرسى مليلة أو غساسة. ويستفاد من رسالتين صدرتا عن سكرتير الملكين الكوثوليكيين، أن جماعة من الأثرياء منتمية إلى مدينة موتريل الأندلسية، هاجرت إلى مليلة، واستطاعت في وقت وجيز أن تحتل مرتبة عليا بالمدينة، وتتزعم هناك التمرد ضد الحاكم الوطاسي، وطرده منها في محرم 900هـ،الموافق لفبراير 1494م.”
ويعني هذا أن فرقة الموتريل هي فرقة أندلسية غنية، كانت تمارس التجارة، استقرت في فترة مبكرة بمدينة مليلة بعد الهجرة العامة، فأرادت أن تؤسس لنفسها كيانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وذلك بعد طرد الوطاسيين منها. لكن الغزو الإسباني سيحول دون تحقيق طموحاتهم.
2- أسرة آيت وارث:
تعتبر أسرة آيت وارث من أهم الأسر الأندلسية التي هاجرت الأندلس في فترة مبكرة لتستقر بمنطقة غساسة أو بلاد القلاع أو قبيلة قلعية. وأصل هذه الأسرة من الصنهاجيين، ومنهم: الصالح مسعود الغساسي وعدد من القضاة، ومن الصعب بمكان معرفة تاريخ قدومهم إلى بلاد القلاع، ” وربما كانوا أقدم من الموتريليين بحكم توارث منصب القضاء بالمدينة”
ومازالت جماعات من أسر آيت وارث موجودة بخمس بني بوغافر في قبيلة قلعية ، وقد أشار إليها عيسى البطوئي صاحب كتاب:”مطلب الفوز والفلاح في آداب طريق أهل الفضل والصلاح”
3- أســــرة بنــــي الأحمـــــر:
من الأسر التي نزلت بمنطقة الريف في القرن التاسع الهجري نستحضر أسرة بني الأحمر بقيادة آخر ملوك المسلمين في الأندلس، وحاكم مملكة غرناطة ألا وهو أبو عبد الله محمد الذي غادر مملكة بني الأحمر نحو مدينة مليلة، فمدينة فاس . وفي هذا الصدد، يقول ابن عنان:” هكذا، اعتزم أبو عبد الله أن يغادر إلى الأبد، تلك الأرض التي نشأ فيها أجداده منذ عصور، وأن يعبر إلى المغرب في أهله وأمواله، وذلك في سفن أعدها ملك قشتالة لجوازه. وكان ذلك في أواخر سنة 1493م. ونزل أولا بمليلة، ثم قصد إلى فاس، واستقر بها، وتقدم إلى ملكها السلطان محمد الشيخ بني وطاس، الذين غلبوا على بني مرين مستجيرا به، مستظلا بلوائه ورعايته، معتذرا عما أصاب الإسلام في الأندلس على يده، متبرئا مما نسب إليه من ضروب التفريط والخيانة. وقد بسط أبو عبد الله دفاعه في كتاب طويل مؤثر، كتبه عن لسانه، كاتبه ووزيره محمد بن عبد الله العربي العقيلي، وسماه بـ”الروض العاطر الأنفاس في التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس”. وهذا الدفاع الشهير الذي يقدمه إلينا أبو عبد الله عن موقفه وتصرفه، هو قطعة رائعة من الفصاحة والسياسة، وهو يدل في روحه وقوته على فداحة التبعة التي شعر بها آخر ملوك الأندلس، إنه يحملها أمام الله والتاريخ، وعلى أن هذا الأمير المنكود، لم يرد أن ينحدر إلى غمر النسيان والعدم محكوما عليه دون أن يبسط للتاريخ قضيته.”
وقد خصص أبو عبد الله الصغير بعشر سفن لنقل رعاياه من الأندلسيين المهاجرين، وذلك تحت رعاية الملكين الإسبانيين، فنزلت بمليلة وغساسة. وفي هذا السياق، يقول حسن الفكيكي : ” يمكن لنا الوقوف على أهمية تلك الهجرة، إذ إن السلطات الإسبانية وضعت رهن إشارة ابن الأحمر عشر سفن ، وهو العدد النازل بمرسى غساسة صبيحة يوم 23 ذي الحجة عام899 هـ الموافق لــ4أكتوبر1493م، كان من بينها سفينة الملكين الكاثوليكيين المسماة كاركاس (Caracas) المخصصة لنقل ابن الأحمر، وقواده، ومن كان معه من القضاة والفقهاء والأطباء والعلماء والحكماء.
بلغ مانقلته السفينة الإسبانية على ظهرها نحو ألف ومائة وثلاثين شخص، بينما بلغ العدد الكلي المرافق للسلطان من مرسى عذرة نحو ألفين وتسعمائة وتسعة عشر شخص.وأبحر في الوقت نفسه من مرسى المنكب نحو ألف ومائة وستة وستين مهاجر.هكذا، نجد أن من بين مايزيد على ستة آلاف مهاجر تلقت غساسة وحدها أربعة آلاف وخمسة وثمانين مهاجر.
تفيد الوثائق الإسبانية القليلة أن نتائج أحداث الأندلس كانت وخيمة على قلعية بصفة خاصة، وهذا طبيعي جدا بسبب العلاقات القديمة المستديمة مع الساحل الأندلسي.”
وقد صادف نزول بني الأحمر بغساسة انتشار المجاعة والوباء والغلاء في الأسعار، بعد أن سيطر الإسبان على موارد الإنتاج بالأندلس، وأوقفوا كل الصادرات الفلاحية نحو سواحل المغرب الشمالية. ويقول المقري في نفح الطيب عن نزوح ابن الأحمر إلى غساسة:” فحين جوازه لبـــر العدوة لقي شدة وغلاء ووباء” . والدليل على انتشار المجاعة بمنطقة قلعية رسالة السكرتير الملكي ، حيث يقول فيها:” تأكدوا جلالتكم بأن هذا البلد البراني يوجد بحال يكفي معه استخدام عمارة قوية، ولن يكون آنذاك على الساحل من غساسة إلى وهران من يقوى على المواجهة، فجميعهم يموتون جوعا، وكل أولئك السكان لايرون في غير الاستسلام سبيلا.”
هذا، وقد عاش أبو عبد الله ، الملقب عند الإسبان بالملك الصغير (El rey chico)، في مدينة فاس إلى أن توفي سنة 940هـ، و”ترك ولدين هما: يوسف وأحمد. واستمر عقبه متصلا معروفا بفاس مدى أحقاب، ولكنهم انحدروا قبل بعيد إلى هاوية البؤس والفاقة، ويذكرنا لنا المقري، في كتابه نفح الطيب، أنه رآهم في سنة 1037هـ، فقراء معدمين يعيشون من أموال الصدقات.”
هذا، ونجد في الريف ، وخاصة بمدينة الناظور، كثيرا من الأفراد والأسر تسمى بـالاسم العائلي:” أزواغ”، وتعني هذه الكلمة الأمازيغية ” الأحمر”. ويعني هذا أن ثمة العديد من سكان بني الأحمر قد استقروا بمدينة مليلية والناظور، واندمجوا في المجتمع الأمازيغي، واكتسبوا اللغة الريفية ، فأصبحتوا جزءا لايتجزأ من المجتمع الأمازيغي الريفي. بل إن بشرتهم البيضاء المختلطة بالحمرة تقربهم كثيرا من ساكنة الأندلس في طابعها الإسباني والأوروبي. وقد استقر بنوالأحمر قرب مدينة مليلية، وأسسوا قربها بلدة تسمى ببني أنصار، نسبة إلى بني نصرالأندلسيين، وهم بنو الأحمر أنفسهم.
4 – أســـرة القضيـــا:
هاجرت هذه الأسرة مدينة قادس(Cádiz) الأندلسية ، فاستقرت بمنطقة بني سعيد الواقعة بالريف الشرقي، وأصل هذه الأسرة من القضاة. وقد ذكرت الوثيقة:” أنهم من آيت عيسى المستقرين على الضفة اليسرى من مصب واد كرت بربع أمجاو السعيدي، وهو ماتؤيده الرواية الشفوية أيضا وبعض الوثائق التي بين أيدينا.وذكرت الوثيقة أن جدودهم كانوا قضاة بغساسة لذا استحقوا كنية القضاة.
تقع مساكن الأسرة في مرحلة وسطى من الكعدة ، بمكان متحجر بين تيميزار وآيت غانم وأولاد عمر بن عيسى القيطونيين.نعرف منها أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن القاضي الكعداوي، صاحب تقييد عن جهاد القلعيين آخر القرن الحادي عشر الهجري ضد مليلة.”
ويتضح لنا ، مما سبق، بأن القضيا من الأندلسيين الذين قدموا من مدينة قادس إلى بني سعيد، وكانوا يمارسون مهمة القضاء بقبائل الريف الشرقي. وحسب وثيقة تاريخية وردت في كتاب التعريف لأبي محمد بن فرحون القبيسي رحمه الله بأن القضيا من آيت عيسى من الأندلس، كان جدهم قاضيا وخطيبا بمدينة أخصاصن .
5- أسرة إحجيون:
استقرت هذه الجماعة الأندلسية في فرخانة قرب مدينة مليلة، ولكن لانعرف متى هاجرت هذه الجماعة بشكل حقيقي إلى هذه المنطقة القريبة من مدينة مليلية، وربما تكون تلك الهجرة بعد الهجرة العامة لكل الأندلسيين من أرض إسبانيا.
6- أســـرة الطريس(Torres):
استقرت هذه الاسرة الأندلسية بمنطقة الريف الشرقي، وكذلك بمدينة تطوان(عبد الخالق الطريس). ومن أشهر أعلام هذه الأسرة الدكتور أحمد الطريسي أعراب الأستاذ الجامعي بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط. ويعني هذا أن هذه الأسرة عربية الأصل، وأندلسية المنشإ، وقد تمزغت بعد طول السنين والعصور.
7- أســــرة العوفي:
استقرت أسرة العوفي بمنطقة الريف الشرقي ، وذلك بعد هجرتها من الأندلس ضمن الهجرة العامة، وقد نزلت الأسرة ببني وليشك التابعة لدائرة تمسمان،وخاصة في قبيلة وردانة وتغزوت، ويعرف عن أفراد الأسرة بأنهم من رجال الفكر والمقاومة والقضاء، وهم أيضا من رجال التعليم، كما هو حال نجيب العوفي.
8- أســــرة أعراص:
تعد أسرة أعراص أو أعراصان أو أعراس من الأسر الأندلسية التي هاجرت من الأندلس، فاستقرت بمدينة باديس. وبعد ذلك، انتقلت إلى الريف الشرقي لتستقر ببني بويفرور، وبالضبط بمنطقة أفرا . ومن ثم، فقد اشتهر من أعراصن:” قواد عسكريون في عهد مولاي رشيد ومولاي إسماعيل كيحيى عراص وأحمد عراص.انقسموا في قلعية إلى مجموعتين: مجموعة استقرت ببني سيدال، ومجموعة بأزغنغان، ومن قرائن قدمهم بمدشر أفرا ببني بويفرور، قدم المسجد والمقبرة المشتهرين باسمهم، وبشساعة مجالهم، وامتلاكهم لمساحات واسعة من الأراضي، وبيع أجزاء منها لباقي الفرق المكونة لمدشر أفرا.وبجانبهم استقرت فرقة إمحارفن، التي يعود أصلها إلى إني حدو علال بتازغين من فرقة أركيزثن.نزلوا عند خالهم موح علال أوعراص.”
وهكذا، يتبين لنا بأن أسرة أعراصن من الأسر الأندلسية التي قامت بهجرتين: الأولى إلى مدينة باديس، والثانية إلى أزغنغان ، وبالضبط إلى أفرا، حيث تحققت لها المكانة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى، بالإضافة إلى المكانة الدينية التي تتمثل في بناء المسجد باسم الأسرة.
تركيب واستنتاج:
وخلاصة القول: تلكم نظرة مقتضبة حول هجرة الأندلسيين إلى ثغور الريف الأوسط والريف الشرقي ، وذلك بعد المحنة الأندلسية الكبرى التي تمثلت في طرد كل الأندلسيين والموريسكيين من إسبانيا، وخاصة بعد انعقاد محاكم التفتيش المسيحية لإجبار المسلمين على التنصير أو التهجير. لذا، اختار المسلمون الأندلسيون الهجرة القسرية متجهين نحو ثغور الريف، فاستقروا بين أهالي الريف مندمجين في مجتمع واحد، ثم تعلموا أمازيغية الريف بشكل متدرج جيلا عن جيل، فوقع بينهم تأثر وتأثير، وانصهار اجتماعي وعائلي وأسري.
بيد أن ما يلاحظ على الهجرة الأندلسية إلى المغرب هو أن استقرار الأندلسيين والموريسكيين بالريف كانت أقل بكثير من استقرارهم بالمدن المغربية الأخرى، كفاس، ومكناس، وتازة، وسلا، والرباط، وتطوان، وشفشاون، وطنجة، وأصيلا…
ويلاحظ كذلك أن المعلومات التاريخية المتعلقة بالهجرة الأندلسية نحو الريف مازالت ضئيلة جدا. لذا، يجد الباحث والمؤرخ على حد سواء صعوبات جمة ، وذلك حينما يلتجىء إلى التأريخ والتحقيب والتصنيف والاستقراء والاستنتاج ؛ بسبب غياب الوثائق والمعطيات التاريخية سواء أكانت مكتوبة أم مروية.
الهوامش:
- د. علي محمد محمد الصلابي: صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي، دار الفجر للتراث، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى سنة 2005م، صص:642- 656
2 – انظر:د.محمد رزوق: الأندلسيون وهجراتهم الى المغرب خلال القرنين 16-17، أفريقيا الشرق، المغرب، الطبعة الثالثة، سنة1998م.
3- مجهول: أخبار مجموعة في فتح الأندلس، وذكر أمرائها والحروب الواقعة بينهم، تحقيق : إبراهيم الأبياري، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1981م، ص:62.
4- عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:102.
5 – الحسن السايح: الحضارة المغربية، الجزء الثالث، منشورات عكاظ، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2000م، ص: 70.
6- د.حين الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، سلسلة رسائل وأطروحات رقم:39، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1997م، ص:55.
7 – عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، ص:101.
8- عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، ص:101.
9- د.حسن الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:133.
10- عبد الحق بن إسماعيل البادسي: المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف،تحقيق: سعيد أحمد أعراب،المطبعة الملكية بالرباط، الطبعة الأولى سنة 1982م، ص:106.
11- د.حسن الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:63-64.
12- د.حين الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:64.
13- انظر: عيسى البطوئي: مطلب الفوز والفلاح في آداب طريق أهل الفضل والصلاح، موجود بالخزاة الحسنية بالرباط، رقم المخطوط: 2613.
14- أحمد التلمساني المقري: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، بيروت، لبنان، طبعة 1968م، الجزء الرابع، ص:225.
15- محمد بن عنان: أندلسيات، كتاب العربي، الكويت، الكتاب العشرون،الطبعة الأولى بتاريخ 15يوليوز1988م، صص:101-102.
16- د.حسن الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:65.
17- أحمد التلمساني المقري: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، الجزء الرابع، ص:525.
18- رسالته بتاريخ12فبراير1494م.A.G.S.Negociado de Mar yTierra,L.1315.
19- محمد بن عنان: أندلسيات،:ص:103.
20- د.حين الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:138.
21- برومي عبد الوهاب ويوسف السعيدي: إقليم كرت: التاريخ والثقافة، مكتبة الشيخ حسن، وجدة، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:48.
22- برومي عبد الوهاب ويوسف السعيدي: إقليم كرت: التاريخ والثقافة، ص:45.
23- برومي عبد الوهاب ويوسف السعيدي: إقليم كرت: التاريخ والثقافة، ص:103.
ة
استقر المسلمون بالأندلس ثمانية قرون منذ أن فتحها طارق بن زياد سنة 92هـ بإمرة موسى ابن نصير، فأنشأوا فيها حضارة عمرانية لم يشهدها التاريخ، وازدهرت فيها حلقات العلم والثقافة والفكر، إلى أن أصبحت الأندلس البوابة الحضارية الأولى لأوروبا في العصر الوسيط، حيث كان يتم عبرها الانفتاح عن باقي الحضارات الأخرى. إلا أن المسلمين لم يحافظوا على وحدتهم وعقيدتهم وتماسكهم، فاتبعوا سبيل الشهوة والغواية والفتنة والشذوذ، ثم مالوا إلى حياة البذخ والترف والتقاعس عن الجهاد، ثم انغمسوا في حروب أهلية طائشة، فتكالب عليهم النصارى من كل حدب وصوب، ثم أوقعوهم في هزائم عدة، إلى أن تم طردهم من الأندلس بصفة نهائية، بعد أن انعقدت محاكم التفتيش المسيحية،فكانت آخر مملكة في الأندلس هي مملكة غرناطة التي سقطت بين يدي ملكي إسبانيا فرناندو الثالث وإيزابيلا سنة897هـ. ويعد أبو عبد الله الصغير ، حاكم مملكة غرناطة المعروفة بالقصور الحمراء، آخر ملوك الإسلام بالأندلس.
وهكذا، فقد نزح الكثير من الأندلسيين والموريسكيين نحو الثغور المغربية، وبالضبط إلى ثغور منطقة الريف التي تشمل اليوم أربعة أقاليم كبرى، وهي: مليلية، والحسيمة، والناظور، والدريوش، أو تشمل – جغرافيا- الريف الشرقي والريف الأوسط والريف الغربي.إذاً، ماهو سياق نزوح الأندلسيين والموريسكيين إلى منطقة الريف؟ وماهي الأماكن الريفية التي استقر بها الأندلسيون ؟ وماهي أهم هذه الأسر الأندلسية التي تفرقت في مختلف ربوع الريف؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول رصدها في هذه الورقة التي بين أيدينا.
سيــــاق الهجـــرة والنـــــزوح:
يعلم الجميع بأن المسلمين قد حققوا في الأندلس حضارة فكرية وعمرانية وعلمية وتقنية كبرى، يشهد لها الداني والقاصي، كما يعترف بها المسلم والعدو على حد سواء. ومازالت هذه الحضارة الأندلسية المزدهرة باقية آثارها، وشاهدة على هذه النهضة الإسلامية التي أينعت في مختلف ربوع الأندلس. ومازالت إسبانيا إلى يومنا هذا تفتخر بهذه المنجزات الحضارية الكبرى التي جلبت لها الملايين العديدة من السواح من مختلف أصقاع العالم. وكل من يتأمل تاريخ المسلمين بالأندلس، فإنه سيتذكر – بلاريب- نظرية ابن خلدون في العمران البشري، تلك النظرية التي ترى بأنه مهما كانت عظمة الدولة وقوتها المادية والمعنوية، فإذا وصلت هذه الدولة إلى قمة البذخ والمجد والشهرة ، ثم انغمست في الشهوات والملذات ، ثم أكثرت من المفاسد والمناكر والمعاصي والشرور والفتن ، ثم تصارع أهلها حول الحكم والسلطة بشتى السبل، ثم انقسمت وتجزأت إلى إمارات وطوائف وممالك، فلابد أن تؤول هذه الدولة حتميا إلى السقوط والانهيار والأفول والتضعضع والزوال.
هذا، وقد حدد الدكتور علي محمد محمد الصلابي في كتابه:”صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي” مجموعة من الأسباب التي أودت بالأندلس إلى السقوط والزوال، وحصرها في الأسباب التالية:
1- تفتت كيان الشمال الإفريقي بعد سقوط دولة الموحدين، حيث تحملت دولة بني مرين حمل الجهاد وحدها في الأندلس،إلا أنها ضعفت وعجزت عن أداء رسالتها الجهادية في الدفاع عما تبقى للإسلام في الأندلس.
2- سعي ممالك إسبانيا نحو الاتحاد، وتم ذلك في الزواج السياسي الهام الذي تم بين فرديناندو الذي أصبح ملكا لمملكة أراجون، وإيزابيلا التي تبوأت عرش مملكة قشتالة فيما بعد، ثم اتحدت المملكتان النصرانيتان، وتعاونتا بعد اتحادهما على القضاء كلية على سلطان المسلمين السياسي في الأندلس.
3- الانغماس في الشهوات، والركون إلى الدعة والترف، وعدم إعداد الأمة للجهاد.
4- الاختلاف والتفرق بين المسلمين.
5- موالاة النصارى والثقة والتحالف معهم .
6- التخاذل عن نصرة من يحتاج إلى نصرة.
7- غدر النصارى، ونقضهم للعهود.
8- إلغاء الخلافة الأموية وبداية عهد الطوائف.
9- عدم سماع ملوك الطوائف لنصح العلماء.
10- الرضا بالخضوع والذل تحت حكم النصارى، والطاعة لهم.
11- سوء سياسة الولاة، وإرهاق الأمة بالجبايات.
12- الثورات الداخلية في الأندلس.
13- الابتعاد عن تحكيم شرع الله على مسلمي الأندلس.
إذاً، لقد ساهمت كل هذه العوامل والأسباب في تعجيل سقوط الأندلس كليا بيد النصارى، وعملت أيضا على تنصير الموريسكيين، وتهجير الأندلسيين الآخرين. وقد دفع هذا الواقع المزري معظم الأندلسيين والموريسكيين إلى الهجرة القسرية حيال تونس والجزائر والمغرب على سبيل الخصوص . ولقد هاجروا كذلك خوفا من بطش محاكم التفتيش المسيحية التي كانت تطارد المسلمين، وتلاحقهم أينما حلوا وارتحلوا، فكانت تخيرهم بين أمرين: إما البقاء في الأندلس بشرط التنصير ، وإما التنكيل الذي يتبعه التهجير.
مراحل هجرة الأندلسيين إلى منطقة الريف:
عرفت منطقة الريف هجرات أندلسية ابتداء من القرن الثامن الميلادي، وقبل وبعد سقوط غرناطة، وانتشرت عناصرها في جل القبائل . وفي هذا السياق، يتم الحديث عن هجرات أندلسية متعددة إلى ثغور المغرب، ويمكن حصرها في عدة مراحل كبرى، وهي:
المرحلة الأولى: كانت الهجرة الأولى سنة 136هـ/745م إلى إمارة النكور بمنطقة الريف؛ بسبب المجاعة التي أصابت الأندلس في تلك الفترة.لذلك، هاجرت بعض الأسر الأندلسية إلى إمارة النكور التي كانت تعرف في تلك الفترة رواجا اقتصاديا لانظير له.
المرحلة الثانية: تمت الهجرة الثانية في عهد الأدارسة ، مع متم بناء مدينة فاس. وذلك حينما ثار الحدادون والفقهاء على الخليفة الحكم بن هشام بقرطبة، وتسمى هذه الثورة بثورة الربض. بيد أن الحكم استطاع القضاء على هذه الثورة، فسعى إلى طرد من بقي من الفقهاء خارج الأندلس، فخرج هؤلاء إلى المغرب، فنزلوا مدينة فاس، وأسسوا :” عدوة الأندلس”.
المرحلة الثالثة: تبتدىء هذه المرحلة من سنة 1483م، وذلك قبل سقوط مدينة غرناطة ، حيث هاجر الكثير من الأندلسيين إلى الريف، وجبالة، وغمارة، والهبط. كما استقروا بمدينة شفشاون، حيث احتضنهم الأمير مولاي علي بن راشد، و أحدثوا فيها حومتي الخرازين، وريف الصبانين.
المرحلة الرابعة: تبتدىء بسقوط آخر ملوك بني الأحمر بغرناطة سنة 1493م. بمعنى أنها تتحدد بهجرة أبي عبد الله الصغير إلى مليلة، فغساسة بمنطقة الريف، والهجرة – بعد ذلك- إلى مدينة فاس، إلى أن وافته المنية سنة1534م.
المرحلة الخامسة: تتحدد هذه المرحلة بعد قرار الملكة إيزابيل طرد مسلمي الأندلس سنة 1502م.
المرحلة السادسة: وقعت الهجرة السادسة عام 1571م على إثر اندلاع ثورة منطقة البشرات بغرناطة، حيث هاجرت كثير من الأسرالأندلسية إلى شمال المغرب ، فأنشأت حومة الطرانكات بتطوان، وحومة السوق بشفشاون.
المرحلة السابعة: أما الهجرة السابعة والأخيرة فكانت ما بين سنتي 1609 و1610م، وذلك حينما أصدر الملك فيليبي الثالث مراسيم لطرد بقية مسلمي إسبانيا.
الأســــر الأندلسيـــة النازحة إلى الريف:
نزحت كثير من الأسر الأندلسية إلى ثغور المغرب، وبالضبط إلى منطقة الريف ، وذلك بعد عمليات الهجرة القسرية أو الطوعية، فاستقرت أسر أندلسية بضفاف شواطىء الريف، واختارت أسر أخرى الاستقرار بالسهول و البوادي و أعالي الجبال، واختارت أسر أخرى الاستقرار بأماكن خالية ومهجورة. وهناك من الأسر الأندلسية الأخرى التي استقرت مدة مؤقتة بمنطقة الريف، لتهجرها، بعد ذلك، إلى مدن ومناطق أخرى من المغرب، كما فعل حاكم غرناطة أبو عبد الله الذي نزل بمدينة مليلية، ثم انتقل إلى مدينة فاس ليتقرب من السلطان الوطاسي محمد الشيخ. وفي المقابل، ثمة أسر أندلسية استقرت بمناطق أخرى من المغرب، لتنتقل – بعد ذلك- إلى منطقة الريف كأسرة ” إيحاجيثان” التي قدمت من مدينة سلا لتستقر بقبيلة بني بوفراح بالحسيمة. وقد اندمجت هذه الأسر الأندلسية ضمن المجتمع الريفي الأمازيغي في بوتقة اجتماعية واحدة، فتمزغت مع مرور الوقت، وشكلت وحدة مجتمعية وقبلية من الصعب تفتيتها، حيث شكل :” تجمع العناصر الأصلية والعناصر الوافدة المحور الأول الأساس للقبائل، خاصة في بني ورياغل وبقيوة التي لم يؤثر العنصر العربي الوافد على المنطقة منذ الفتح الإسلامي على لهجتها، بل على العكس من ذلك، تبربرت جل الأسر العربية التي بقيت مستقرة بعد تخريب مدينة النكور.كل هذه العناصر التي تم تقديمها انصهرت مع مرور الزمن في قبيلة واحدة لها هويتها المتميزة.”
ولم تقتصر هذه الهجرة الأندلسية والموريسكية على المغرب فحسب، بل امتدت إلى الجزائر وتونس ومصر وأوروبا وأمريكا الجنوبية. ويلاحظ أن الأندلسيين:” كانوا يتركون ديارهم إلى بلاد المغرب في جماعات، تستقر كل واحدة منها بمدينة من المدن المغربية، بعد أن يبيعوا ما خف من المتاع بأبخس الأثمان، فيؤثرون السكن في المغرب(بالمدن) الصغرى أو القرى، وأحيانا المدن المهجورة حتى يستطيعوا أن يكونوا مجتمعا ملائما لحياتهم…فسكان مالقة اختاروا مدينة باديس، وأهل مرية مدينة تلمسان، وأهل الجزيرة مدينة طنجة، وأهل بلش مدينة سلا، وأهل طريف مدينة آسفي وأزمور… واستأذن المنظري في تعمير مدينة مرتيل، وبناء مدينة تطوان.”
ويستغرب الباحث المغربي الدكتور حسن الفكيكي من عدم وجود إشارات إلى الهجرة الأندلسية نحو قبائل قلعية أو الريف الشرقي قبل القرن العاشرالهجري . بمعنى أن المصادر لم تذكر الهجرة الأندلسية إلى قبيلة قلعية أو غساسة أو بلاد القلاع ، على الرغم من أن الهجرة ظاهرة بشرية تاريخية تتحقق بشكل طبيعي.وفي هذا النطاق، يقول حسن الفكيكي:” هناك السؤال المستفسر عن عدم ظهور أي أثر بارز للهجرات الأندلسية، خصوصا وأننا لم نصادف في المصادر المكتوبة مايدلنا صراحة على استقبال بلاد القلاع للأسر الأندلسية. ولربما نكون مخطئين إذا نفينا ذلك بالمرة، استنادا فقط إلى غياب شهادات المصادر. فالهجرة ظاهرة حتمية إذا ماقدرنا الأزمة السياسية التي اجتازتها الأندلس آنذاك، تلك الأزمة التي لم ينج من عواقبها المغرب، والشمال الشرقي المغربي بصورة خاصة.
سيبقى التعرف على مصادر هذا التنظيم وعوامله البشرية فراغا في تاريخ بلاد القلاع ماقبل القرن العاشر الهجري، والتوصل إلى ملئه رهين بمزيد من البحث والاكتشاف.”
هذا، وستزداد الهجرات الأندلسية حيال غساسة وبلاد القلاع مع القرن العاشر الهجري، وستتوالى هجرات جماعية إلى غساسة منذ خريف890هـ/ 1493م، تتقدمها هجرة السلطان ابن الأحمر بعد إقامة قصيرة بمرسى أندراش. وربما أمكن القول بأن هجرة الأندلسيين إلى الريف الأوسط (بني ورياغل وباديس)، أو الريف الغربي( شفشاون وتطوان وطنجة)، قد سبقت كل الهجرات إلى الريف الشرقي (قبيلة قلعية، وقبيلة لوطا، وقبيلة المطالسة، وقبيلة الريف).
الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الأوسط:
هناك مجموعة من الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الأوسط، وخاصة في مدينة باديس (الحسيمة)، ومنطقة بني ورياغل، ومايحيطهما من مناطق وقبائل. وأغلب الأسر الأندلسية التي نزلت بهذه المناطق هي من مدينة مالقة الساحلية. والسبب في ذلك أن مالقة كانت قريبة من شواطىء الريف الأوسط. ومن أهم هذه الأسر الأندلسية النازحة، نذكر منها:
1- أســـــرة يحيى المالقي:
استقرت هذه الأسرة الأندلسية النازحة في بداية القرن السادس عشر الميلادي في مدينة باديس ، وهي حجرة شاطئية قريبة من مدينة الحسيمة. لكن هذه الأسرة ستنتقل إلى قبيلة بني بوفراح ، وذلك بعد سيطرة الإسبان على جزيرة باديس سنة1564م.
2- أســــرة الحسن المالقي:
تعد هذه الأسرة من الأسر الأندلسية المهاجرة التي استقرت في مدينة باديس، وقد أقامت برابطة البحر مدة طويلة. هذا، وقد استوطنت المنطقة أسر مالقية كثيرة؛ بسبب العلاقات المتينة التي كانت تربط باديس ومدينة مالقة.
3- أسرة إيحاجيثـــان:
من المعروف أن أسرة إيحاجيثان أو” حجي” من الأسر الأندلسية التي استقرت في البداية بسلا، ثم انتقل بعض أفرادها إلى منطقة الريف، فاستقروا بقبيلة بني بوفراح، واستقرت بفرقة ابيحياثان.و”حسب بعض المصادر أن يحيى حجي استقر بعد مدينة باديس في مدشر إهارونن حوالي سنة1564م.وأخوه رحو استقر بإكني، ثم انتقل إلى إزلوكن.أما أبناء يحيى، وخاصة ابنه علي بن فارس بن يحيى، فإنه استوطن بصفة نهائية بفرقة ابيحياثن الذي يعتبر الجد الأول للأسر المنحدرة من هذا المدشر، وبعد استقرار العناصر الجديدة في هذا المدشر واندماجها مع الأسر الأصلية، أصبحت تحمل نفس النسب.”
ويعني هذا أن أسرة إيحاجيثان أسرة عربية أندلسية استقرت بسلا أولا، فالريف الأوسط ثانيا، ثم تمزغت عبر العصور والسنين.
4- فرقــــة إندروســـان:
يعني اسم :” إندروسان” فرقة ” الأندلسيين” الذين هاجروا من الأندلس، فاستقروا في منطقة بني ورياغل، وبالضبط في منطقة أجدير. ويرجح أن تكون هجرتهم سنة 136هـ. والسبب في هذه الهجرة المبكرة تعود إلى انتشار المجاعة بالأندلس في أثناء هذه الفترة. وفي هذا السياق، يقول عبد الرحمن الطيبي:” وسبب ترجيحنا لهذه السنة هو ماعرفته إمارة النكور من ازدهار اقتصادي.”
ويعني هذا إن إمارة النكور بالريف الأوسط كانت تعرف رواجا اقتصاديا وعمرانيا كبيرا في القرن الثاني الهجري؛ مما دفع الكثير من الأندلسيين إلى الهجرة حيالها بحثا عن الاستقرار، ودرءا للفقر والجوع والوباء .
5- أســـرة أعراص:
هاجرت هذه الأسرة الأندلس، فاستقرت بمدينة باديس، وخاصة ببني يطوفت، وكان لها نفوذ قوي في المنطقة منذ العهد الوطاسي.وبعد ذلك، هاجرت أسرة إعراصن أو أولاد أعراص منطقة بني يطوفت ، فاستقرت ببني بويفرور بأزغنغان، وكان ذلك في العهد الوطاسي.وسيقوم إعراصن بدور سياسي هام:” مع الوطاسيين بقلعية في آخر أيامهم، ثم مع السعديين بقدومهم على أعراص، استوطنوا موضع أفرا، واحتلوا منخفضا صغير المساحة منحصرا بين تل العمال وجبل العافية أو أفرا، مستأثرين بأهم بقع وادي الخميس بحكم موقعهم السياسي بقلعية.”
ويعني هذا أن أسرة أعراص من الأسر الأندلسية المهاجرة إلى الريف الأوسط، فالريف الشرقي ، و كانت لها مكانة اجتماعية كبيرة بين الناس، وحظوة سياسية متميزة ، وذلك بتقرب هؤلاء من سلاطين الوطاسيين والسعديين.
6- متصوفون أندلسيون نزحوا إلى الريف:
ذكر عبد الحق بن إسماعيل البادسي في كتابه:” المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف” بعض الأولياء والصلحاء والمتصوفة الأندلسيين الذين نزلوا بمنطقة الريف، فاستقروا فيها ، ثم قدموا كراماتهم الخارقة، ثم أظهروا الصلاح والتقوى والاستقامة. ومن بين هؤلاء: الحسن بن الخراز الذي قال عنه البادسي:” حدثني الحاج علي المؤذن الأندلسي.قال: كان الشيخ الحسن من أهل مالقة، وهو ابن أخت أبي العباس القنجري، وكان خرازا يشتغل بنسيج الديباج، وتزوج بنت عمه بمالقة، ثم زهد في الدنيا، وخرج متجردا للعبادة، قدم على باديس- وهو شيخ في حوز الثمانين سنة- أعني من عمره، ونزل برابطة البحر، فأقام بها مدة، وكان له خديم اسمه موفق، وكثر الخصب في تلك الرابطة بسببه، وكان لايصل قارب إلى مرسى باديس إلا أعطى شيئا باسم الرابطة.”
ويفهم من هذا أن الأولياء والمتصوفة الأندلسيين قد شيدوا الروابط والزوايا بالريف الأوسط، وذلك لتنوير الساكنة روحانيا، وتربيتهم عرفانيا.
الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الشرقي:
هناك مجموعة من الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الشرقي، وخصوصا في منطقة غساسة ومليلة ، وذلك بعد المحنة الكبرى التي تعرض لها الأندلسيون والموريسكيون من طرد وتهجير وتنصير وتنكيل. ونستحضر من بين هذه الأسر مايلي:
1- جماعـــة موتريل:
تعد جماعة موتريل (Motril)من الجماعات الأندلسية الأولى التي هاجرت إلى الريف الشرقي، وخصوصا إلى مدينة مليلية، فتمردت عن السلطة الوطاسية. وكانت هذه الجماعة ذات مكانة مادية كبيرة داخل المجتمع المليلي. وقد هاجرت الجماعة الأندلس في القرن التاسع الهجري، وذلك بعد تحالف قشتالة مع أراغون لطرد المسلمين من الأندلس. وفي هذا السياق، يقول حسن الفكيكي:” برزت انعكاسات أحداث الأندلس على قلعية، منذ أن تجاوزت تقديراتها سنة 886هـ/1481م في استقبال الأسر الأندلسية المهاجرة، وانسداد أبواب المراسي في وجهها، مما كان له أبلغ الأثر على الوضع العام.فبعد زحف التحالف القشتالي الأراغوني على طول الساحل الجنوبي، اقتصر النفوذ الغرناطي على الساحل الممتد بين مدينتي ألمرية وموتريل، أي مجموعة المراسي التي كانت على اتصال مستمر عبر القرون السابقة بالساحل القلعي.
وبتوالي الضغط الإسباني عليها، لم يسع سكان تلك الجهات سوى التفكير في العبور إلى الساحل الريفي المقابل. فمن مراسي موتريل وأندراش والمنكب، انطلقت المراكب وعلى ظهورها الأندلسيون المطرودون لتحط بمرسى مليلة أو غساسة. ويستفاد من رسالتين صدرتا عن سكرتير الملكين الكوثوليكيين، أن جماعة من الأثرياء منتمية إلى مدينة موتريل الأندلسية، هاجرت إلى مليلة، واستطاعت في وقت وجيز أن تحتل مرتبة عليا بالمدينة، وتتزعم هناك التمرد ضد الحاكم الوطاسي، وطرده منها في محرم 900هـ،الموافق لفبراير 1494م.”
ويعني هذا أن فرقة الموتريل هي فرقة أندلسية غنية، كانت تمارس التجارة، استقرت في فترة مبكرة بمدينة مليلة بعد الهجرة العامة، فأرادت أن تؤسس لنفسها كيانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وذلك بعد طرد الوطاسيين منها. لكن الغزو الإسباني سيحول دون تحقيق طموحاتهم.
2- أسرة آيت وارث:
تعتبر أسرة آيت وارث من أهم الأسر الأندلسية التي هاجرت الأندلس في فترة مبكرة لتستقر بمنطقة غساسة أو بلاد القلاع أو قبيلة قلعية. وأصل هذه الأسرة من الصنهاجيين، ومنهم: الصالح مسعود الغساسي وعدد من القضاة، ومن الصعب بمكان معرفة تاريخ قدومهم إلى بلاد القلاع، ” وربما كانوا أقدم من الموتريليين بحكم توارث منصب القضاء بالمدينة”
ومازالت جماعات من أسر آيت وارث موجودة بخمس بني بوغافر في قبيلة قلعية ، وقد أشار إليها عيسى البطوئي صاحب كتاب:”مطلب الفوز والفلاح في آداب طريق أهل الفضل والصلاح”
3- أســــرة بنــــي الأحمـــــر:
من الأسر التي نزلت بمنطقة الريف في القرن التاسع الهجري نستحضر أسرة بني الأحمر بقيادة آخر ملوك المسلمين في الأندلس، وحاكم مملكة غرناطة ألا وهو أبو عبد الله محمد الذي غادر مملكة بني الأحمر نحو مدينة مليلة، فمدينة فاس . وفي هذا الصدد، يقول ابن عنان:” هكذا، اعتزم أبو عبد الله أن يغادر إلى الأبد، تلك الأرض التي نشأ فيها أجداده منذ عصور، وأن يعبر إلى المغرب في أهله وأمواله، وذلك في سفن أعدها ملك قشتالة لجوازه. وكان ذلك في أواخر سنة 1493م. ونزل أولا بمليلة، ثم قصد إلى فاس، واستقر بها، وتقدم إلى ملكها السلطان محمد الشيخ بني وطاس، الذين غلبوا على بني مرين مستجيرا به، مستظلا بلوائه ورعايته، معتذرا عما أصاب الإسلام في الأندلس على يده، متبرئا مما نسب إليه من ضروب التفريط والخيانة. وقد بسط أبو عبد الله دفاعه في كتاب طويل مؤثر، كتبه عن لسانه، كاتبه ووزيره محمد بن عبد الله العربي العقيلي، وسماه بـ”الروض العاطر الأنفاس في التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس”. وهذا الدفاع الشهير الذي يقدمه إلينا أبو عبد الله عن موقفه وتصرفه، هو قطعة رائعة من الفصاحة والسياسة، وهو يدل في روحه وقوته على فداحة التبعة التي شعر بها آخر ملوك الأندلس، إنه يحملها أمام الله والتاريخ، وعلى أن هذا الأمير المنكود، لم يرد أن ينحدر إلى غمر النسيان والعدم محكوما عليه دون أن يبسط للتاريخ قضيته.”
وقد خصص أبو عبد الله الصغير بعشر سفن لنقل رعاياه من الأندلسيين المهاجرين، وذلك تحت رعاية الملكين الإسبانيين، فنزلت بمليلة وغساسة. وفي هذا السياق، يقول حسن الفكيكي : ” يمكن لنا الوقوف على أهمية تلك الهجرة، إذ إن السلطات الإسبانية وضعت رهن إشارة ابن الأحمر عشر سفن ، وهو العدد النازل بمرسى غساسة صبيحة يوم 23 ذي الحجة عام899 هـ الموافق لــ4أكتوبر1493م، كان من بينها سفينة الملكين الكاثوليكيين المسماة كاركاس (Caracas) المخصصة لنقل ابن الأحمر، وقواده، ومن كان معه من القضاة والفقهاء والأطباء والعلماء والحكماء.
بلغ مانقلته السفينة الإسبانية على ظهرها نحو ألف ومائة وثلاثين شخص، بينما بلغ العدد الكلي المرافق للسلطان من مرسى عذرة نحو ألفين وتسعمائة وتسعة عشر شخص.وأبحر في الوقت نفسه من مرسى المنكب نحو ألف ومائة وستة وستين مهاجر.هكذا، نجد أن من بين مايزيد على ستة آلاف مهاجر تلقت غساسة وحدها أربعة آلاف وخمسة وثمانين مهاجر.
تفيد الوثائق الإسبانية القليلة أن نتائج أحداث الأندلس كانت وخيمة على قلعية بصفة خاصة، وهذا طبيعي جدا بسبب العلاقات القديمة المستديمة مع الساحل الأندلسي.”
وقد صادف نزول بني الأحمر بغساسة انتشار المجاعة والوباء والغلاء في الأسعار، بعد أن سيطر الإسبان على موارد الإنتاج بالأندلس، وأوقفوا كل الصادرات الفلاحية نحو سواحل المغرب الشمالية. ويقول المقري في نفح الطيب عن نزوح ابن الأحمر إلى غساسة:” فحين جوازه لبـــر العدوة لقي شدة وغلاء ووباء” . والدليل على انتشار المجاعة بمنطقة قلعية رسالة السكرتير الملكي ، حيث يقول فيها:” تأكدوا جلالتكم بأن هذا البلد البراني يوجد بحال يكفي معه استخدام عمارة قوية، ولن يكون آنذاك على الساحل من غساسة إلى وهران من يقوى على المواجهة، فجميعهم يموتون جوعا، وكل أولئك السكان لايرون في غير الاستسلام سبيلا.”
هذا، وقد عاش أبو عبد الله ، الملقب عند الإسبان بالملك الصغير (El rey chico)، في مدينة فاس إلى أن توفي سنة 940هـ، و”ترك ولدين هما: يوسف وأحمد. واستمر عقبه متصلا معروفا بفاس مدى أحقاب، ولكنهم انحدروا قبل بعيد إلى هاوية البؤس والفاقة، ويذكرنا لنا المقري، في كتابه نفح الطيب، أنه رآهم في سنة 1037هـ، فقراء معدمين يعيشون من أموال الصدقات.”
هذا، ونجد في الريف ، وخاصة بمدينة الناظور، كثيرا من الأفراد والأسر تسمى بـالاسم العائلي:” أزواغ”، وتعني هذه الكلمة الأمازيغية ” الأحمر”. ويعني هذا أن ثمة العديد من سكان بني الأحمر قد استقروا بمدينة مليلية والناظور، واندمجوا في المجتمع الأمازيغي، واكتسبوا اللغة الريفية ، فأصبحتوا جزءا لايتجزأ من المجتمع الأمازيغي الريفي. بل إن بشرتهم البيضاء المختلطة بالحمرة تقربهم كثيرا من ساكنة الأندلس في طابعها الإسباني والأوروبي. وقد استقر بنوالأحمر قرب مدينة مليلية، وأسسوا قربها بلدة تسمى ببني أنصار، نسبة إلى بني نصرالأندلسيين، وهم بنو الأحمر أنفسهم.
4 – أســـرة القضيـــا:
هاجرت هذه الأسرة مدينة قادس(Cádiz) الأندلسية ، فاستقرت بمنطقة بني سعيد الواقعة بالريف الشرقي، وأصل هذه الأسرة من القضاة. وقد ذكرت الوثيقة:” أنهم من آيت عيسى المستقرين على الضفة اليسرى من مصب واد كرت بربع أمجاو السعيدي، وهو ماتؤيده الرواية الشفوية أيضا وبعض الوثائق التي بين أيدينا.وذكرت الوثيقة أن جدودهم كانوا قضاة بغساسة لذا استحقوا كنية القضاة.
تقع مساكن الأسرة في مرحلة وسطى من الكعدة ، بمكان متحجر بين تيميزار وآيت غانم وأولاد عمر بن عيسى القيطونيين.نعرف منها أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن القاضي الكعداوي، صاحب تقييد عن جهاد القلعيين آخر القرن الحادي عشر الهجري ضد مليلة.”
ويتضح لنا ، مما سبق، بأن القضيا من الأندلسيين الذين قدموا من مدينة قادس إلى بني سعيد، وكانوا يمارسون مهمة القضاء بقبائل الريف الشرقي. وحسب وثيقة تاريخية وردت في كتاب التعريف لأبي محمد بن فرحون القبيسي رحمه الله بأن القضيا من آيت عيسى من الأندلس، كان جدهم قاضيا وخطيبا بمدينة أخصاصن .
5- أسرة إحجيون:
استقرت هذه الجماعة الأندلسية في فرخانة قرب مدينة مليلة، ولكن لانعرف متى هاجرت هذه الجماعة بشكل حقيقي إلى هذه المنطقة القريبة من مدينة مليلية، وربما تكون تلك الهجرة بعد الهجرة العامة لكل الأندلسيين من أرض إسبانيا.
6- أســـرة الطريس(Torres):
استقرت هذه الاسرة الأندلسية بمنطقة الريف الشرقي، وكذلك بمدينة تطوان(عبد الخالق الطريس). ومن أشهر أعلام هذه الأسرة الدكتور أحمد الطريسي أعراب الأستاذ الجامعي بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط. ويعني هذا أن هذه الأسرة عربية الأصل، وأندلسية المنشإ، وقد تمزغت بعد طول السنين والعصور.
7- أســــرة العوفي:
استقرت أسرة العوفي بمنطقة الريف الشرقي ، وذلك بعد هجرتها من الأندلس ضمن الهجرة العامة، وقد نزلت الأسرة ببني وليشك التابعة لدائرة تمسمان،وخاصة في قبيلة وردانة وتغزوت، ويعرف عن أفراد الأسرة بأنهم من رجال الفكر والمقاومة والقضاء، وهم أيضا من رجال التعليم، كما هو حال نجيب العوفي.
8- أســــرة أعراص:
تعد أسرة أعراص أو أعراصان أو أعراس من الأسر الأندلسية التي هاجرت من الأندلس، فاستقرت بمدينة باديس. وبعد ذلك، انتقلت إلى الريف الشرقي لتستقر ببني بويفرور، وبالضبط بمنطقة أفرا . ومن ثم، فقد اشتهر من أعراصن:” قواد عسكريون في عهد مولاي رشيد ومولاي إسماعيل كيحيى عراص وأحمد عراص.انقسموا في قلعية إلى مجموعتين: مجموعة استقرت ببني سيدال، ومجموعة بأزغنغان، ومن قرائن قدمهم بمدشر أفرا ببني بويفرور، قدم المسجد والمقبرة المشتهرين باسمهم، وبشساعة مجالهم، وامتلاكهم لمساحات واسعة من الأراضي، وبيع أجزاء منها لباقي الفرق المكونة لمدشر أفرا.وبجانبهم استقرت فرقة إمحارفن، التي يعود أصلها إلى إني حدو علال بتازغين من فرقة أركيزثن.نزلوا عند خالهم موح علال أوعراص.”
وهكذا، يتبين لنا بأن أسرة أعراصن من الأسر الأندلسية التي قامت بهجرتين: الأولى إلى مدينة باديس، والثانية إلى أزغنغان ، وبالضبط إلى أفرا، حيث تحققت لها المكانة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى، بالإضافة إلى المكانة الدينية التي تتمثل في بناء المسجد باسم الأسرة.
تركيب واستنتاج:
وخلاصة القول: تلكم نظرة مقتضبة حول هجرة الأندلسيين إلى ثغور الريف الأوسط والريف الشرقي ، وذلك بعد المحنة الأندلسية الكبرى التي تمثلت في طرد كل الأندلسيين والموريسكيين من إسبانيا، وخاصة بعد انعقاد محاكم التفتيش المسيحية لإجبار المسلمين على التنصير أو التهجير. لذا، اختار المسلمون الأندلسيون الهجرة القسرية متجهين نحو ثغور الريف، فاستقروا بين أهالي الريف مندمجين في مجتمع واحد، ثم تعلموا أمازيغية الريف بشكل متدرج جيلا عن جيل، فوقع بينهم تأثر وتأثير، وانصهار اجتماعي وعائلي وأسري.
بيد أن ما يلاحظ على الهجرة الأندلسية إلى المغرب هو أن استقرار الأندلسيين والموريسكيين بالريف كانت أقل بكثير من استقرارهم بالمدن المغربية الأخرى، كفاس، ومكناس، وتازة، وسلا، والرباط، وتطوان، وشفشاون، وطنجة، وأصيلا…
ويلاحظ كذلك أن المعلومات التاريخية المتعلقة بالهجرة الأندلسية نحو الريف مازالت ضئيلة جدا. لذا، يجد الباحث والمؤرخ على حد سواء صعوبات جمة ، وذلك حينما يلتجىء إلى التأريخ والتحقيب والتصنيف والاستقراء والاستنتاج ؛ بسبب غياب الوثائق والمعطيات التاريخية سواء أكانت مكتوبة أم مروية.
الهوامش:
- د. علي محمد محمد الصلابي: صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي، دار الفجر للتراث، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى سنة 2005م، صص:642- 656
2 – انظر:د.محمد رزوق: الأندلسيون وهجراتهم الى المغرب خلال القرنين 16-17، أفريقيا الشرق، المغرب، الطبعة الثالثة، سنة1998م.
3- مجهول: أخبار مجموعة في فتح الأندلس، وذكر أمرائها والحروب الواقعة بينهم، تحقيق : إبراهيم الأبياري، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1981م، ص:62.
4- عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:102.
5 – الحسن السايح: الحضارة المغربية، الجزء الثالث، منشورات عكاظ، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2000م، ص: 70.
6- د.حين الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، سلسلة رسائل وأطروحات رقم:39، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1997م، ص:55.
7 – عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، ص:101.
8- عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، ص:101.
9- د.حسن الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:133.
10- عبد الحق بن إسماعيل البادسي: المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف،تحقيق: سعيد أحمد أعراب،المطبعة الملكية بالرباط، الطبعة الأولى سنة 1982م، ص:106.
11- د.حسن الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:63-64.
12- د.حين الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:64.
13- انظر: عيسى البطوئي: مطلب الفوز والفلاح في آداب طريق أهل الفضل والصلاح، موجود بالخزاة الحسنية بالرباط، رقم المخطوط: 2613.
14- أحمد التلمساني المقري: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، بيروت، لبنان، طبعة 1968م، الجزء الرابع، ص:225.
15- محمد بن عنان: أندلسيات، كتاب العربي، الكويت، الكتاب العشرون،الطبعة الأولى بتاريخ 15يوليوز1988م، صص:101-102.
16- د.حسن الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:65.
17- أحمد التلمساني المقري: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، الجزء الرابع، ص:525.
18- رسالته بتاريخ12فبراير1494م.A.G.S.Negociado de Mar yTierra,L.1315.
19- محمد بن عنان: أندلسيات،:ص:103.
20- د.حين الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:138.
21- برومي عبد الوهاب ويوسف السعيدي: إقليم كرت: التاريخ والثقافة، مكتبة الشيخ حسن، وجدة، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:48.
22- برومي عبد الوهاب ويوسف السعيدي: إقليم كرت: التاريخ والثقافة، ص:45.
23- برومي عبد الوهاب ويوسف السعيدي: إقليم كرت: التاريخ والثقافة، ص:103.
أحمد- عضو في منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
تاريخ التسجيل : 17/02/2012
عدد المساهمات : 7
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 5
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 11
رد: لقب ابن سعيد في المغرب
1
2
3
4
5
6
7
8
9
أ. د. جمال بن عمار الأحمر- رئيس منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
العمر : 64
تاريخ الميلاد : 22/02/1960
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
عدد المساهمات : 2938
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 3
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 4879
العمل/الترفيه : أستاذ جامعي. مؤسس في حركة إسلامية قوية في نهاية السبعينيات. وسياسي قديم. ومرشح برلماني سابق
رد: لقب ابن سعيد في المغرب
تنظم يوم السبت 25 فبراير 2012 بالمركب الثقافي بشفشاون بشمال المغرب ندوة حول تأثير الأندلسيين في شمال المغرب بمشاركة الدكتور عبد الله الترغي والأستاذ الباحث في التراث الأندلسي السيد محمد القاضي والدعوة عامة
والسلام
أحمد بن سعيد
والسلام
أحمد بن سعيد
أحمد- عضو في منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
تاريخ التسجيل : 17/02/2012
عدد المساهمات : 7
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 5
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 11
أسر أندلسية في اجبالة
أسر أندلسية في اجبالة
الأَنْدَلُسِيُّونَ فِي بِلاَدِ جْبَالَة وَالهَبْط
الأستاذ رشيد العفاقي
باحث في تاريخ المغرب والأندلس - طنجة
1 - مُقَدِّمَة عَامَّة
إنّ الكِتابة عن بُيُوتَات المغرب والأندلس هي مِنْ صَمِيم الكِتابة عن حضارة وتاريخ البلدين، لأنّ جُزءاً كبيراً من هذه الحضارة وذلك التّاريخ لم يَقُمْ إلا على أكْتَافِ هذه البيوتات، سَوَاءٌ في الميدان السياسي أو في المجال العِلْمِي. ومَنْ يَقُمْ بإطلالة على كُتب التاريخ والتّراجم الأندلسية سيُلاحِظُ مَا كَانَ لِعَدَدٍ من بُيُوتَات العرب والبربر في عَصْرِ الطّوائف بالأندلس مِنْ رِفْعة وشَأْنٍ في الميدان السياسي، ومَا قَامَتْ به الأُسَر العِلْمِيّة من جُهْدٍ في سبيل المحافظة على تَسَلْسُل العُلُومِ والآدَابِ. وعَلَى الرّغم من سَيْل الكِتابات التي أُلِّفَت في هذا الموضوع لا يُوجَدُ -حتى الآن- كتابٌ جامعٌ يُحْصِي أعدادهم ويُجَلِّي دَوْرَهُم في ازدهار الحضارة الأندلسية.
ويُعتبر المغرب أكبر بُلدان العالم احتضاناً للمُهاجرين الأندلسيين، فقد بدأ في استقبال أَفْوَاجِهِم مُنذ سنة 136 ﻫ المعروفة في التاريخ بسنة بَرْبَاط، مُرورا بواقعة الرّبض وما تَبِعَهَا مِنْ هِجْرَةِ القُرْطُبِيِّينَ إِلى فَاس وتأسيسهم لِعِدْوَة الأندلس، ثم ازداد تدفّق المهاجرين الأندلسيين عَلَى المغرب بعد سُقُوط الحواضر الأندلسية الكبرى كبلنسية وقرطبة وإشبيلية، واستمرّت الهجرة إليه بِشَكْلٍ فردي أو جماعي حتى سُقوط غرناطة وضياع الأندلس بالكامل عام 897 ﻫ/ 1492 م، وظلّ المغرب فاتحا أبوابه أمامهم في السنوات والعُقُود التي تَلَتْ سُقوط غرناطة حتى الجلاء الأخير للمُورِيسكيين عام 1609 م. إنَّ هِجْرة الأندلسيين إلى المغرب قديمة، وقد سَمَحَ لهم هَذَا القُدُوم المُبَكِّر أنْ يُصبحوا -مع مُرور الوقت- عناصرَ أصيلة داخل المجتمع المغربي، مُتَمَيِّزِينَ في عدد من المجالات حتى كانت القاعدة أنّه «لا يُستعمَل بَلَدِيّ مَا وُجِدَ أندلُسي»( [1]). وقد عني المؤرِّخون المغاربة بإحْصاء الأُسَر الأندلسية التي استوطنت بعض مناطق المغرب، منهم: أحمد بن أبي يَعْزَى العرائشي( [2])، والفقيه محمد بَرْهُون (ت.1241 ﻫ) ( [3])، والفقيه مُصطفى بن محمد بُوجندار( [4])، والشيخ النّسابة عبد الكبير بن هاشم الكتاني( [5])، وأبو العباس أحمد الرهوني( [6])، وعبد الرّحيم جَبُّور العُدِّي( [7])، الفقيه محمد داود( [8])، ومحمد ابن عَزُّوز حَكِيم( [9]).
ومما يُلاحظ أنّ الإحْصَاء في جميع التآليف المذكورة - عَدَا تأليف الفقيه بَرْهُون - عني بالعائلات الأندلسية التي استوطنت المدن، ولم يهتم بالأُسَر التي سَكَنَت البادية، وهذا الخَصَاص هو مِنْ مَوَاطِنِ الضُّعف التي لا يزال يشكو منها البحث في هذا الموضوع. ولمّا كانت الأُسَر الأندلسية التي سَكَنَت البادية لا تزال غير معروفة لدى الباحثين وعُموم الناس، فقد رأيتُ أنّه من المفيد أنْ أتوجّه إلى إنجاز دِرَاسَة عن العائلات الأندلسية التي استوطنت القبائل الجبلية والهبطية، وأنْ أتتبَّعَ الأثر الباقي في جوانب عِدّة مِنْ حياة أندلسيي البادية كاللّهجة، وتقاليد الاحتفالات، والفلاحة، والتعليم... وغير ذلك. ومما ساعدني في إنجاز هذا البحث أنّ الجماعات الأندلسية سواء التي استوطنت البادية أو المدينة ظلّت مُحافظة على التّقاليد الأندلسية في اللِّباس والطبيخ والأعياد والفلاحة والموسيقى... إلى اليوم.
2 - النُّصُوصُ التي تُؤَرِّخُ لهجرة الأندلُسيِّين إلى منطقة جْبَالَة
يتبيّن من نَصِّ ورد بذيل كتاب "نبذة العصر"( [10]). أنّ نِسْبَةً كبيرة من الأندلسيين الذين نزحوا إلى المغرب سنة 897 ﻫ/ 1492 م استوطنوا البادية، لاسيما في الشمال الذي كانت حواضره الرئيسية مُحْتَلَّة من قِبَلِ البرتغاليين كطنجة وسبتة وأصيلا والقصر الصغير، والذي يَهُمُّنا من تلك الأفواج الأندلسية المهاجرة، في هذا البحث الخاص بمنطقة جبالة والهبط، أربعُ فِرَقٍ:
1) - أهل الجزيرة الخضراء الذين خرجوا في نصف اليوم إلى طنجة، فاستوطنوا ضواحيها التّابعة لها مثل الفحص وقبيلة أنجرة وقبيلة وادراس لأن المدينة التي كان يحتلها البرتغاليون منذ عام 876 ﻫ /1471 م.
2) - أهل رُندة، وبسطة، وحصن موجر، وقرية قردوش، وحصن مرتيل، الذين استقروا بتطوان وأحوازها.
3) - أهل بَرْبَرَة وبُرْجَة وبُولة وأَنْدَرَاش الذين خَرَجُوا إلى ما بين طنجة وتطوان ثم انتقل البعض منهم إلى قبيلة بني سعيد من قبائل غمارة. وعبارة المؤلِّف "ما بين طنجة وتطوان" تعني أنهم نزلوا قُرَى قبيلتيْ وَادْرَاسْ وأنجرة، ولعلّ انتقال بعضهم إلى قبيلة بني سعيد بغمارة إنما أتى بسبب الهجمات التي كان يشنّها عليهم الجيش البُرتغالي المحتل لمدينة طنجة.
4) - أهل مرينية الذين خرجوا في يوم إلى مدينة أَزَيْلَة وما قرب منها. فلا شكّ أن هؤلاء الأندلسيين لم يتمْ لهم الاستيطان إلا في مَا قَرُبَ مِنْ مدينة أَزَيْلَة التي كانت قد احتُلت من قِبَلِ البرتغاليين منذ عام 876 ﻫ /1471 م.
ولكن المؤرِّخين يتحدّثون عن هجرات أندلسية إلى هذه المنطقة سبقت سُقوط غرناطة بحوالي ثلاثة قُرُون، وأهمّ تلك الأفواج الأندلسية هي جالية إشبيلية التي وفدت على سبتة وأحوازها في النِّصف الأول من القرن السّابع الهجري، وقد قدّر المؤرخ البرتغالي ماسكارنهاس عدد أفرادها بنحو 100 ألف نسمة( [11])، غير أنّنا لا نحسب أنّ مدينة سبتة كانت قادرة على تحمّل هذا العدد الكبير من الوافدين الأندلسيين فهي مدينة صغيرة «لا تحتمل الزّحام ولا تُعِين على ما يجب من صِلَة الأرحام» كما يقول عبد الملك اليُحَانْسِي( [12]). وبالتالي فإن عددا كبيرا من أفراد هذه الجالية الإشبيلية قد فضّل الاستيطان بقبيلتي أنجرة والحوْز، وسوف نتكلم على الأثر الإشبيلي البارز في الحياة المعيشية لِسُكّان أنجرة، القبيلة التي تُعتبر مدينة سبتة امتداداً لنِطَاقِها الجُغرافي. وعندما احتل البرتغاليون مدينة سبتة عام 818 ﻫ/ 1415 م تشتت أهلها على القُرى والمداشر المجاورة بقبيلة أنجرة والحوز. الشيء نفسه حصل لَمّا خرجت مدينة طنجة من يد المسلمين سنة 876 ﻫ/ 1471 م، انتقل أهلها - وكانوا في غالبيتهم مِنْ ذوي الأصل الأندلسي- إلى سُكْنى أنجرة والفحْص، فامتلأت بهم البادية، فلا غرابة إذا وَجَدْنا اليوم أنّ (٪80 من سُكّان هذا الإقليم هُمْ مِنْ أُصُولٍ أندلسية، ٪50 منهم مِنَ الفئة المورِيسكية أيْ الفوج المطرود من الأندلس من طرف مَحَاكِم التّفتيش)( [13]).
3 - الأندلسيون في قبيلة أنجرة
إذا كان اتجاه الهجرة في القُرون الأولى التي تلت الفتح الإسلامي للأندلس، مِنَ المغرب إِلَى الأندلس، فإنه في العُصُور المتأخِّرة من العصر الوسيط سيتحوّل اتجاه الهجرة مِنَ الأندلس إلى المغرب. وفي هذا الإطار احتضنت قبيلة أنجرة أعدادًا هائلةً من الأندلسيين الذين أُجْبرُوا على الخروج من مُدنهم وقُراهم وجازوا البحر إلى العدوة المغربية، ولعلّ موقعها المتميز هو السبب الذي جعل المهاجرين يَحُطُّونَ رحالهم بها ولا يُغادرونها إلى مكان آخر، فهي أقرب منطقة إلى الأندلس، وبلاد جبالة هي أول رُبُوع المغرب التي يطؤها الأندلسي القادم إليه، يقول مُؤَرِّخ جْبالة الأستاذ المريني العياشي -رحمه الله- في معرض كلامه على العناصر البشرية التي استوطنت بلاد جْبالة: «غير أنّ العُنصر الجديد المهاجر من الأندلس عند سُقوط غرناطة (1492 م) وقبلها وبعدها، وإِنْ لم تكن له من المميزات ما تجعله ينفرد بها عن غيره أو يتعصّب لأصله وعاداته لأنها في مجملها كانت متشابهة ومتقاربة مع العادات الجبلية، إلا أنّ تفوّقه في الميدان العلمي والاقتصادي والاجتماعي والتِّقني جعله يملأ بعض الفراغ الذي كان حاصلا بالمجتمع الجبليّ، وبالتالي يُدْخِلُ إلى المنطقة أساليب جديدة في الميادين الاقتصادية والثقافية ونحوهما، كما ظهر ذلك واضِحًا في بعض القبائل الجبلية التي استفادت من هذه الهجرة كأنجرة والحوز وجبل حبيب وبني سعيد والشّاون وبعض القبائل الغُمارية، وهذا ما جعل بعض قبائل جْبالة تتأثر بالمَدَنِيَّةِ الأندلسية وحضارتها كما يتجلّى في القبائل التي كانت مُستهدفَة لهذه الهجرة»( [14]).
لقد عرفتْ قبيلة أنجرة هِجْرتين أندلسيتين هَامّتين: الأُولى هي الهجرة الإشبيلية في أواسط القرن السّابع الهجري، والثانية جاءت بُعيد سُقُوط غرناطة عام 1492 م، تلاهما وُرُودُ موجات من الموريسكيين إلى المنطقة. إنّ طرائق عيش الإشبيليين والغرناطيين مُتَجَلِّيَّةٌ بشكل مُثير في هذه القبيلة، ومما يلفت النّاظر إلى خريطة المنطقة أنّ أغلب أسماء القرى والبلدات الأنجرية يُوجد لها نظائر في الأندلس لاسيما في مملكة غرناطة، من ذلك: الحمّة( [15])، والزاوية( [16])، والملالح( [17])، والخوايم( [18])، والمنصورة( [19])، والقلعة( [20])، والحومة( [21])، والخندق( [22])، والرّملة( [23])، والرميلات( [24])، والقصيبة( [25])، والشطيبة (والنسبة إليها الشطيبي، وهي تصغير شاطبة)، والدّالية، والزّهَّارَة... بل إن اسم أنجرة ذاته نجد له نظيرا في الأندلس، وهي "بلدة الأَنْجَرُون، مِنْ بُشَرَّةِ غرناطة"( [26]).
3-1. العائلات الأندلسية القاطنة بقبيلة أنجرة
الأُسر الأندلسية التي استوطنت قبيلة أنجرة هي في الغالب من مُهاجرة إشبيلية وغرناطة ومالقة والجزيرة الخضراء، وفيما يلي لائحةٌ بأَسمائِها:
الأندلسي - الشاط (وأشهر أعلامها هو: قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط المترجَم في "الإحاطة"( [27])، وقد كان لأفراد هذه العائلة إسهام كبير في الجهاد وقد سجّلت كُتُب التاريخ صُوّرا مُشرقة من بُطولاتهم في هذا المضمار، وأشهر مجاهدي هذا البيت: قاسم الشّاط الأندلسي( [28]). كما كان لبعضهم سهمٌ في التّأليف، نعرف أنّ لأحد أولاد الشّاط تأليف في "الإسطرلاب"، وللأستاذ عبد القادر الشّاط( [29])ديوان شِعري سمّاه: "بُرادة اللجين".
ومنهم: العفاقي- الخليع- الشعيري- ابن عجيبة (نبغ منهم أحمد بن عجيبة (ت. 1224 ﻫ) مُؤلِّف "البحر المديد في تفسير القرآن المجيد"، و"شرح الحكم"، وغيرهما من التآليف المفيدة( [30]). - حَجّاج- قنجاع- النّْوِينُو- البيّاري- الهرّاس- الموغة- شابو- بروحو- اغزيل (ومِنْ عُلماء هذا البيت الفقيه أحمد بن عبد الكريم اغزيل( [31])) - البقّاش (نبغ في هذه الأسرة الفقيه المقرئ محمد بن حمان البقّاش (ت. 1945 م)، له من التآليف: كتاب في "قراءة الإمام البصري"، وكتاب في "الارتحال في القراءات"، وتقييد في "تاريخ قبيلة أنجرة").
ومنهم: الفتوح- الهيشو- العاقل- بُولْعَيش (ومن علمائهم الفقيه أحمد أبو العيش الشهير بالفقيه مصباح( [32])). - بُوزِيد (المشهور منهم هو الفقيه أحمد بوزيد الذي نبغ في علم التوقيت وترك لنا تآليف عديدة في هذا الفن( [33])).
ومنهم عائلات: قَرُّوق- الأشقر - الدّامون- العشيري- الراضي- السعيدي- عَبّود- الشيوة- الدّمغة- الحايك- البرّاق- عيّاد- اللغميش- فِيغُو- الهواس- البرّاج- الشرّاط- كحلون- الهرُّوس- الدّهدوه- عْزيبو- مارصو- المفضّل- سلامة- الأنصاري- الكحّال- زميزم- الطويل- الحداد- الدهري- الزّرْبُوح- الشّلاف- الزّيدي- اعْليلو- حلحول- حمامو- الخيّاط- الزّكاف،....
ولستُ أزعم أنني أنجزتُ لائحة شَامِلة بأسماء الأسر الأندلسية التي تقطن أنجرة، فذلك يتطلب جُهدا إضافيا. وإذا كان التّركيز في هذا البحث قد شمل الأُسر التي وفدت على المنطقة من إشبيلية ومملكة غرناطة، فإنه ينبغي أنْ أُشِير إلى أن بلاد أنجرة استقبلت في القرنين السّادس عشر والسابع عشر الميلاديين أفواجاً عديدة من الجاليات الموريسكية ما لبثت هي أيضا أن اندمجت في المجتمع الأنجري ذي الأصول الأندلسية( [34]).
3-2. الأثر الأندلسي في الفلاحة والغِراسة بأنجرة
لستُ أرغب في هذه الدراسة أن أتكلّم على مُستوى الأنشطة المرتبطة بمعيشة واقتصاد النّاس في أنجرة بقدر مَا أُرِيدُ أن أتتبّع الأثر الأندلسي الباقي في تلك الأنشطة. ولعلّ النّص الذي يصلح لأن يكون مَدْخَلا إلى موضوعنا هو كلام ابن غالب الذي نقله المقري في "نفح الطيب"، قال: «ولما نَفَذَ قضاء الله تعالى على أهل الأندلس بخروج أكثرهم عنها في هذه الفتنة الأخيرة المبيرة، تفرقوا ببلاد المغرب الأقصى من بر العدوة مع بلاد افريقية، فأما أهل البادية فمالوا في البوادي إلى ما اعتادوه، وداخلوا أهلها وشاركوهم فيها، فاستنبطوا المياه، وغرسوا الأشجار، وأحدثوا الأرْحِية الطاحنة بالماء، وغير ذلك. وعلّموهم أشياء لم يكونوا يعْلمونها ولا رَأَوْهَا، فشرفت بلادهم وصلحت أمورهم وكثرت مستغلاتهم وعمّتهم الخيرات»( [35]).
ومُلخّص هذا الكلام أن الأندلسيين انتقلوا بعاداتهم وتقاليدهم الفلاحية إلى مهاجرهم بالمغرب، وفيما يخصُّ الأثر الأندلسي في الفلاحة، فإن كُلُّ مَنْ قُدِّرَ له أن يقف على طرائق أهل أنجرة -وجبالة عموما- في عمل الفلاحة، سواء تعلّق الأمر بغراسة عدد من أصناف الفواكه والخضروات، وزراعة القمح والشعير والذرة، وفي طريقة توزيع مياه السقي وفي أعمال الحصاد والدّرس، أو تعلّق الأمر بالاصطلاحات الفلاحية المتداولة في ذلك، ثم رَجَعَ إلى كُتب الفلاحة الأندلسية -مثل كُتب ابن العوّام الإشبيلي، وكُتُب ابن بصّال- لَوَجَد تلك الطرائق والاصطلاحات مَسْرُودةً فيها، وأَلْفَاها تنطبق تمام التّطابق على فِلاحَة أهل تلك البلاد، ويُمكنني أن أقدِّم أمثلة عديدة على ذلك، وبما أن المجال لا يسمح بالتّطويل فإني سأكتفي بضرب بعض الأمثلة على المغروسات الأندلسية بقبيلة أنجرة.
ثبت لدينا بحُججٍ أنّ الأندلسيين لما جاؤوا إلى بلاد أنجرة كانوا يحملون معهم عدداً من نُقَل مغروسات الأندلس، بدليل أن بعض الفاكهة التي تخبرنا كتب التاريخ والأدب أنها لا تُوجد إلا بالبلاد الأندلسية نعثر عليها بأرض أنجرة، وأعني بعض أنواع التين. فمن أشجار التين الموجودة بأرض أنجرة، أذكر صنفين جلبهما الأندلسيون وغرسوهما ببلاد أنجرة: التِّين القُوطِي والتِّين الشّعري، وهُما من أصناف التِّين التي لم يكن ينبت إلا بالأندلس حسبما يذكره المقري أثناء وصفها، قال: «ولها (أي الأندلس) من أنواع الفواكه ما يعدم في غيرها أو يقلّ، كالتِّين القُوطِي والتِّين الشّعري بإشبيلية. قال ابن سعيد: وهذان صنفان لم تَرَ عيني ولم أَذُقْ لهما منذ خرجت من الأندلس ما يفضلهما»( [36]).
وهذان الصنفان من التِّين موجودان بأرض أنجرة. ولنقف الآن بعض الوقت مع التِّين القُوطِي، فجميع أنواع التِّين تُثْمِر مَرّتين في السّنة في يونيو وفي أواخر غشت أو بداية سبتمبر، فأهل أنجرة اليوم - كما أسلافهم أهل الأندلس قديما - يقولون لما ينضج مُبكِّرا من فاكهة التِّين: البَاكُور( [37]). والإثمار الثاني يُسَمِّيه فلاحُو المنطقة بـ(الخريف)، ربما لأنه ينضج في أوائل فصل الخريف. ومن المعروف لدى الفلاحين أنّ الإثمار الأول أَجْوَدُ من الثاني. ومما أودّ إضافته حول التِّين القُوطي -عن تجربة ومُصَاحَبة طويلة، إذْ كانت شجرة من هذا الصِّنف (التِّين القُوطي) موجودة في جنان وَالِدِي -رحمةُ الله عليه- بقرية لهشبة- أنَّه هو الوحيد من بين أنواع التِّين الذي لا يُثمر إلا مرّة واحدة ويكون ذلك في أواسط شهر غشت. والتِّين صنفان أسود وأبيض، والتِّين القُوطي من النّوع الأبيض وإنْ كان يغلب عليه اللّون الأخضر أو الفُستقي، وحَبّته صغيرة ولكنها في غاية الحلاوة.
أما التِّين الشَّعري، فهو موجود كذلك بأرض أنجرة، وبعض أهلها يُسمُّونَه الشعيري أو الشعايري( [38]). وهذا التِّين موطنه الأصلي بإِقليم الشعير بضواحي إشبيلية، وفي تفضيل هذا الصنف من التِّين، يقول ابن سعيد القلعي نقلا عن "المسهب" للحجاري عند وصف تِين مَالَقَة: «وهو مُفَضَّلٌ على سائر تِينِ الأندلس، إلّا شعْريّ إشبيلية، فإن بعضهم يُفضِّله، ولاسِيما في دُخوله في الأدوية ومنفعته»( [39]). وإذا كان "القوطي" و"الشعري" مما جلبه الإشبيليون إلى أرض أنجرة، فقد وَجَدْنَا بها أيضا بعض أثر لمغروسات أهل شرق الأندلس ممثّلةً في: البرقوق البلنسي.
ومن أثر الأندلسيين بأنجرة المرتبط بالفلاحة: الأرحاء (جمع رحى، وتجمع أيضا على أرْحِية) التي تطحن الزّرع، وكانت موجودة بأنجرة ولكنها تعطّلت منذ زمن ليس ببعيد بسبب ظهور المطاحن العصرية، وكانت هذه الأرحاء تُصنع من الخشب وتُبنى لها بيوت على الأودية، عرفنا واحدة منها في وادي الرّوز، وأخرى في وادي المرسى، ورُبّما وُجِدت في غيرها من القُرى الوادية بتعبير أبي القاسم الأنصاري. وثمة في أنجرة أرحاء نصبت على عُلُوٍّ حيث صبيب الماء ينهمر بقوة من بعض الجبال كما هو حال رحى عين العجائز، ورحى العناصر (أو العناسْر كما يلفظها أهل المنطقة).
3-3. الاحتفالات الأندلسية على أرض أنجرة
كان الأنجريون يحتفلون بالعديد من الأعياد الإسلامية ويُقيمون لها حقّها من الرِّعاية والاهتمام، أوّلهما العيدين (الأضحى والفطر)، ثُمّ الاحتفال بِذِكرى المولد النبوي الذي لا يَقِلُّ في مظاهره عن العيدين فرحًا وابتهاجا، كَتَبَ القاضي الحاج محمد السّراج عن عناية أهل أنجرة بالمولد النّبوي، فقال: «ولقد شاهدتُ طيلة مُقامي وقت الدِّرَاسَة بقبيلة أنجرة المتصلة بسبتة اعتناءً كبيرا بليلة ولادة النبي المعظّم حتى إن كثيرا من المداشر لهم أوقاف عليها، يُنفقون غِلاتها في الاحتفال بها بقدر من طلع عليه فجرها، ورأيت قصائد في مدحه r عندهم لم أَرَهَا في غيرها من القبائل، وهم كإخوانهم بسبتة حينما يدخل الشهر ينظفون المساجد والزوايا ويجيِّرونها ويفرشونها بأنواع الفرش ويجلبون إليها أغصان الرّند من الغابة لتنبعث منها الرائحة الطيبة التي جعلها الله سبحانه فيها، كما يستعملون النَّدّ وغيره من البخور»( [40]).
غير أنَّ أهل أنجرة كانوا -ولا زالوا- يحتفلون بأعياد غير إسلامية، كانت معروفة في الأندلس، ورُبّما كانوا تَابِعِين لأهل الأندلس في ذلك، وكان أبو العباس العزفي قد نَصَحَ الناس (أهل سبتة خاصّة) بترك الاحتفال بها، وأَمَرَهُم بأن يَشْرَعُوا في الاحتفال بذكرى المولد النّبوي، وألّف كتاب "الدر المنظم في مولد النبي المعظم" ترغيباً لهم في ذلك، وقد كُلّلت جُهُوده بالنّجاح إذ منذ ذلك الحين والمغاربة يحتفلون بالمولد النبوي في كل عام، ولكن عادة الاحتفال بأعياد غير المسلمين ظلت قائمة في عدد من القبائل المجاورة لسبتة، منها أنجرة، وهذه الأعياد هي:
- يَنّيْر: وهي ليلة الميلاد أو النيروز، وكان أهل أنجرة يَسْتَعِدُّونَ لها ويُهَيِّئُونَ فيها أطعمة تختلف عن المعتاد، ويُحَضّر في هذا اليوم الاسفنج والرغايف، وتقدّم فيه الفواكه الجافّة كاللّوز والجلوز والزبيب والقسطل والرُّمّان والتّمر.
- العَنْصَرة: وهو من الأيام المشهورة ببلاد الأندلس، موسمٌ للنّصارى يُحتفل به في يوم 24 من يُونيو( [41]) ذكرى مولد يحيى بن زكريا عليه السلام. وفيه يلبس الناس الجديد من الثِّياب، وتُشعل النيران والناس يقفزون فوقها، ويتبارون في رُكُوب الخيل. ولا تزال العنصرة تُقام بأنجرة في أوائل شهر يوليوز من كل عام، بل أصبح يُقام لها مهرجان بقصر المجاز تتعدّد فيه الأنشطة التي تبرز الخصائص الفنية والثقافية للمنطقة( [42]).
3-4. الأثر الأندلسي في البيت الأنجري
البيت الجبلي بأنجرة يحتفظ بالكثير من ملامح البيت الغرناطي، ومَنْ سَبق له أن زار المنطقة الأندلسية القروية بإسبانيا فلاشكّ أنه لاحظ ذلك التّشابه مثلما لاحظه زُرَارَة البرتغالي في القرن 9 ﻫ/15 م( [43]). ومما يُمَيِّزُ البيت الجبلي بأنجرة الجُدران المجيَّرة بالأبيض وجوانبها السُّفلى بالأزرق، والقَرْمِيد الأندلسي الأحمر الذي يُغَطِّي سقف البيت من الخارج، والذي لا يزال الإسبان إلى اليوم يُسَمُّونَه: القرميد العربي Teja Arabe. ومِنْ بين العناصر أو الوَحَدَات الْمُكَوِّنة للمنزل القروي في أنجرة ونَجِدُ لها مثيلا في بُيوت الأندلس القديمة:
- السّطَح: هو في البيت القروي الأنجري يقابل ما يُعرف اليوم في بُيوت المدينة باسم: المقْعَد، وهو ينقسم إلى قِسمين، المدخل، وبِهِ مجلس صغير، ثم يليه قسم آخر دَاخِلي كبير، وفي جانبٍ من هذا القسم الداخلي للسّطح يكون موضع مبيت صاحب الدّار مع أهله، وفيه مُتّسع لجلوس الأضياف، وقد وردت كلمة "السّطح" بهذا المعنى في كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم( [44]).
- الدّْوِيرَة: للبيت الأنجري ما يُعرف بالدّْوِيرَة، وقد وردت في بعض النصوص الأندلسية( [45]). وهي تقع داخل حُدود البيت إلا أنها مكشوفة وغير مسقّفة، وتشمل المساحة الأمامية التي تَلِي السّطح، وتكون محاطة، من جوانبَ ثلاث، بِسُورٍ ارتفاعه يصل إلى مُستوى كتف الإنسان في وضعية وقوف (1.50 متر). وقد تصل مساحة الدويرة إلى 50 متر مربع (5م × 10م)، وتتوسّطها شجرة تين أو كرم (الدّالية). وعادةً ما تكون الميضأة في زاوية من الدويرة. وفي الدْوِيرَة يظهر تَوَلُّع المرأة الأنجرية بأناقة دارها ومُبالغتها في تزيين بيتها لاسيما ما يبرز منه للمَارّة. وفي الدويرة تضع المرأة الوَصِيَّة على البيت جرّات الماء، ورُزم الحطب، وأهمّ ما يلفت النّاظر إلى دْوِيرَة البيت الأنجري أصص الأزهار ومشاتل الورود من أنواع السّوسن والياسمين المرددوش والقرنفل والحبق... التي تصطفّ مُنتصبةً شامخةً على طُول حائط الدويرة الموازي للطريق العام، ومن عاش لِبِضْعَة أيّام في القُرى الأنجرية فَمِنَ المؤَكّد أنه صَادَفَ في طُرقاتها تلك النّسمات العَطِرَة التي كانت تنبعث من جُدران البيوت لاسِيّمَا في العَشِيَّات وقتَ غُروب الشّمس. وللمرأة الأنجرية ولعٌ كبير باقتناء الأزهار والوُرُود، ولا رَيْبَ في أنّ هذا مِنْ أَثَرِ الأندلس الباقي في المنطقة، فالأندلسيون كانت لهم نفس العناية، بل كانوا يُعِدُّون شراء الأزهار مِنْ نَفَقَة البيت، فهذا عبد الكريم القيسي الأندلسي يُعَدِّدُ، في قصيدةٍ له، ما يلزم بيته من حَاجَات، فيذكرُ ما يتعلّق بنظافته وأناقته ويقول: [مجزوء الرمل]
ثُمّ صَابُونٍ لِغَسْلِ
ثُمّ أَزْهَارٍ لِشَمِّ( [46])
- بيتُ المرمّة: مِنْ بين العناصر الْمُكَوِّنة للمنزل القروي في أنجرة: "بيتُ الْمَرَمَّة". ومن أمثال أهل أنجرة: "خْطْبْتِ الْمْرَا وَالمْرَمَّة"، وهذا المثل مِنْ كلام أهل الأندلس الجاري على لسان المغاربة في شمال بلادهم، وهو يُقال للرجل الذي ابتسم له الحظ بِخِطْبة امْرأة من مميزاتها أنها تُجِيد الحياكة. والْمَرَمَّة الواردة في المثل السابق: هي آلة الحياكة التقليدية بالمغرب، وهي مما جَلَبَهُ الأندلسيون إلى المنطقة، ولا زالت معروفة بهذا الإسم إلى اليوم، وتُستعمل في نسج المناديل والجلابيب، وهي الآلة الرئيسية للنّسْج في القُرى والبوادي المغربية والأندلسية، وكانت كذلك حتى في المدن إلى وقت قريب. وقد وَرَدَ ذكرُ هذه الآلة في الكتب القديمة، أشار إليها ابن بطوطة في مُدوّنة رحلته إذْ قال إِنَّهُ شاهد في الطريق بين وَلاَّتَة ومَالِي شجرةً في داخلها حَائِكٌ "قد نَصَبَ مَرَمّته وهو يَنْسُج". وقد أثار هذا المشهد استغراب الرّحّالة الطنجي، أما ابن جُزي الغرناطي فَزَادَ على الطّنجي الخبرَ التّالي: «وببلاد الأندلس شجرتان من شجر القسطل في جوف كل واحدة منهما حائكٌ ينسج الثياب، إحداهما بوادي آش والأخرى بِبُشَارّة غرناطة»( [47]).
كما وردت "المرمّة" في شِعْرٍ لابن الخطيب الغرناطي، قال:
وَاغْنَ بِقُطْنِ الثَّلْجِ عَنْ مَتْجَرٍ
يُغْنِيكَ عَنْ جَمْعٍ وعَنْ حَلْجِ
وَاغْزِلْهُ بالرِّيح وهَيِّءْ لَهُ
مَرَمَّةَ المَصْقُولِ والكَنْجِ( [48])
- بيتُ الكَانون: وهو بيت يُطبخ فيه الخبز، ويُسَمّى أيضا "بيتُ العافية" (أي النار)، ويشمل البيت على مَوْقِدٍ في شكل حُفرة، يُدار بثلاثة أحْجار لا ترتفع عن مُستوى الأرض إلا قليلا، وعليها تُوضَعُ الآنية. أما الفُرْن المبني بالطين فموضعه خارج بيت الكانون .
- الأروى والنّوالة: الأروى هو إصطبل البقر، ويكون مبنيا بالحجر. أمّا "النّوالة" فهي المحل الذي تأوي إليه الماعز، ويتألف من جُدوع الأشجار، وقد وردت "النّوالة" عند ابن ليون التجيبي الأندلسي في أُرْجُوزَتِه الفِلاحية.
3-5. الأثر الأندلسي بأنجرة في المجال العلمي
الأثر الأندلسي في التعليم ببادية أنجرة ملحوظٌ اليوم، فلا زال الفقهاء مُتَّبِعِين النظام الأندلسي العتيق في التدريس وذلك من خلال المتون التي تُقرأ وتُدَرَّس بمسايد المداشر وجوامعها، وفي الخط الأندلسي الذي يُجِيد الكتابة به عددٌ من الفقهاء والطلبة. وبما أننا في هذه الدراسة نُؤَرِّخ للهجرة الأندلسية إلى قبيلة أنجرة فإنه يتوجّب علينا أن نُبرز المعالم والشّواهد المبكِّرة للحضور الأندلسي بالقبيلة في المجال العلمي والأدبي. فَمِنَ المعلوم أن منطقة أنجرة أنجبت عدداً من العُلماء في العصر الوسيط إلا أن ظُهور هؤلاء في كُتب التّراجم والرّحلات لم يكن لِيَتِمّ لو لم يدخلوا إحدى المدن المجاورة كطنجة وسبتة، فَدَوْرُ المدينة في إعْلاء شأن العلم وحَامِلِيه ظلّ دائما دَوْرًا فعّالا بالمغرب والأندلس، أما علاقة عُلماء أنجرة بالأندلس فقد عثرنا في بعض الكُتب على معلومات قليلة يُستفاد منها أن بلد أنجرة كان محطّ رِحَال عددٍ من عُلماء الأندلس الذين كانوا يَجُوزُونَ البحر إلى المغرب في عهد المرابطين والموحِّدِين فينزلون بمرسى قصر المجاز، وهناك يظلون أياما وشهوراً لبَثِّ العلم، وكذلك عَرَفَ القصر نشاطا عِلْمِيًّا مُتميِّزًا في العصر المريني شارك فيه عددٌ من عُلماء الأندلس( [49]). وقد ترجم أبو بكر الحضرمي في "بُلغة الأمنية" للفقيه محمد الأنجري (ت. 803 ﻫ) فذكر أنه «اجتاز إلى الأندلس في أيام السُّلطان الشهير أبي عبد الله محمد بن يوسف ابن الأحمر، فدخل غرناطة ولقي مشيختها وقرأ عليهم وأجازوه كالأستاذ المفتي الأعرف أبي سعيد بن لُبّ والشيخ المحدِّث محمد الحفّار والقاضي أبي عبد الله بن بكر وسواهم، وكتب له في كل ذلك خطّ يده، ثم عاد إلى سبتة»( [50]). ويبدو أن سبتة وقصر المجاز كانا منطلق الأنجريين إلى الأندلس، فلمّا سَقَطَا بيد البُرتغاليين انقطع الاتِّصال.
ومما ينبغي أنْ يُعْلَم أنّ الظُّرُوف التي أتى فيها هؤلاء الأندلسيون إلى أنجرة لم تكن تُساعد على الاهتبال بالعلوم، لقد كانوا يُعَانُون مِنْ مِحْنَة الهجرة والخروج من بلدهم الأصلي، ومِنْ مشكلات الاستقرار في البلد الجديد، كما أنّ الوقائع السياسية التي عصفت بالمنطقة والمتمثلة في احتلال البرتغال لمدن شمال المغرب المطلة على مضيق جبل طارق، وإغارة جُيوشها على القُرى المجاورة لتلك المدن، مع تردّد الكوارث الطبيعية على المنطقة... كُلُّ ذلك كان له أثرٌ سَيِّء على مُستوى عيش السُّكَان وحياتهم، وزَادَت تلك الوقائع مِنْ تَأَزُّمِ الوَضْعِ إلى حدّ أنها جَعَلَت النّاس في المنطقة لا تُفَكِّر إلا في شيئين: الطّعام والأَمْن أيْ توفير الغذاء والدِّفَاع عن القرية والعِيال، وبالتّالي لم يُرفع للعِلْم رَايَة خفّاقة بأنجرة زمن الاحتلال البرتغالي لطنجة وسبتة والقصر الصغير، ولم نقف على أثر عِلْمي أو أَدَبِي للأندلسيين الذين استوطنوا قبيلة أنجرة إلا في القُرون المتأخرة أي بعد جلاء البرتغاليين عن طنجة والقصر الصغير.
3-6. الأثر الأندلسي في لهجة أهل أنجرة
في اللهجة الجارية حاليا على لسان أهل أنجرة أثرٌ كبير لكلام أهل الأندلس، وإنْ كان قد أصابها تغيير بسبب التأثيرات اللغوية الخارجية التي دخلت عليها وأفقدتها بعض أصالتها، وهي لهجة نَلْقَاهَا في نُصوص الأمثال والأزجال الأندلسية القديمة، ولعلّ دارسُو هذه النُّصُوص قد لاحظوا الأثر والتأثير الأندلسي المسموع في لهجة جبالة والهبط، ومما أَوَدُّ ذكره هُنا أن الدكتور محمد بنشريفة حين دَرَسَ "ملعبة" الكفيف الزرهوني أَلْفَاهَا تستعمل لُغة الزجل الأندلسي، وانتزع من النص المذكور عددًا من الألفاظ التي نلقاها كذلك في اللّهجة الأندلسية، وقد خلص الأستاذ محمد بن شريفة إلى «أن هذا التماثل بين "مَلْعَبَة" الكفيف الزّرهوني وبين النصوص الأندلسية من حيث الاستعمال يمكن تفسيره بما يلي: (1) تَأَثُّر الزّجّال المغربي القديم بمحفوظه من الأزجال الأندلسية. (2) اشتراك لهجتيْ الأندلس والمغرب في عدد كبير من الألفاظ التي تعتبر ألفاظا مغربية بالمعنى الواسع. (3) تأثّر لهجة منطقة جبالة التي ينتمي إليها الكفيف باللهجة الأندلسية بحكم القرب والجوار، ولأن أهل جبالة أو غمارة كانوا يقومون دائما بفرض الجهاد في الأندلس ويتطوعون بدخولها من أجل ذلك ثم يعودون إلى ديارهم، ثم إن عددا كبيرا من الأندلسيين استقروا بمنطقة جبالة في أفواج متعاقبة»( [51]).
ومُلَخَّصُ هذا الكلام أنّ جْبالة الأصليين تأثَّروا بلهجة أهل الأندلس بسبب القُرب والمجاوَرة، وأيضا لأن جالية أندلسية كبيرة استوطنت بلادهم بعد الجلاء، وهذا صحيح وإنْ كان يُبقينا دائما في دائرة التأثير والتّأثّر. فالتّعريب الذي قامت بها الجالية الأندلسية لم يكن شاملا في بعض القبائل المغربية ولذلك ظلت مُزْدَوَجَة اللّهجة إلى اليوم، في حين نجد أنّ بعض أهل
القبائل الجبلية الشّمالية التي استوطنها الأندلسيون يعتبرون اللهجة الأندلسية هي لُغتهم الأم لم يَعْرِفُوا غيرها مثل قبيلة أنجرة التي لا نسمع فيها إلا اللهجة العربية الأندلسية ولا يُخالطها كلام آخر. وقد لا يتّسع هذا الحيِّز الآن لإنجاز مُعْجم لكل الألفاظ الأندلسية المتداولة ببلاد جبالة والهبط، ووَضْعِ تفسيرٍ لِمَعَانِيهَا، ولذلك سنكتفي بتقديم بعض الأمثلة من الألفاظ الأندلسية الجارية على ألسنة أهل قبيلة أنجرة: النوادر، النّْيَق( [52])، النُّقلة، الطبيرة، اللِّنجاص، المجاز، المرج، الكُدية، الجُرْف، الخندق، الدامون، الشرفات، الجنان، الفدّان، الولجة( [53])، الحوز، الوْطَا، الغدير( [54])، الدمالج، الدْقُم، الكرانة، البراطل، البلِّق( [55])، الملاسة( [56])، القُب، البَرْوَق، العزف، البلاط، الزّريعة، النِّيش، المسيد، الدّشار، البرّاني (وتعني الغريب)، العُدوة (وتعني الجانب الآخر من الوادي، وأهل أنجرة يُطلقون على اسبانيا اسم العُدوة إلى اليوم)، ...الخ( [57]).
وكُلُّ من قُدِّر له أن يخالط أهل هذه القبيلة ويتكلّم معهم إلا وقد لاحظ أن الطّابع الأندلسي بارز في كلامهم، ولذلك لما شَرَعَ الباحث الإسباني أَنْخِلِيسْ بِسِنْطِي في دِرَاسَة لهجة أهل أنجرة اكتشف ذلك الأثر الأندلسي الكبير الباقي في الكلام الجاري على ألسنة الأنجريين، فقال عن كتابه: «إنّ الهدف من هذا العمل يتركّز، في مُعظمه، في إظهار الأثر اللغوي للأندلس في بعض لهجات شمال المغرب التي لم تُدرس بما فيه الكفاية حتى الآن، ويتجلّى أسَاسًا في الدِّراسة العِلمية التي تناولناها عن بعض اللهجات الأكثر قدامة بالبلد المجاور (المغرب)، مثل لهجة أنجرة»( [58]).
ومِنْ خصائص اللّهجة الجبلية: الإمالة، وهي انقلاب الألف "يَاء" في نطقهم لعدد من الألفاظ، وقد بقي أثر الإمالة في كلام أحفاد الأندلسيين الذين استوطنوا شمال المغرب، فعندما زار الحسن بن مسعود اليوسي بلاد جبالة لاحظ في كلامهم هذه الإمالة، فقال: «ومن جُملة ما اتفق لي في هذه السّفْرَة إلى جِبَالِ الزَّبِيب، وسفرات أخرى لزيارة الشيخ عبد السلام ابن مشيش -رضي الله عنه-، أني سمعت لغة لأهل تلك الجبال يكسرون آخر الموقوف عليه، فتتبعتها استقراء فوجدتها لها ضابط. وقد رأيت غيرهم من أهل الآفاق يسمعون عنهم ذلك فيحكونه على غير وجه، وينسبون إليهم ما لا يقولون جهلا منهم بضوابطها، فإنهم لا يكسرون إلا الفتحة بعدها ألف... فإن العوام من غيرهم يقولون في الموقف على هذه: البقرا والشجرا، بألف، وهؤلاء يَكْسِرُون فيقولون: البقْرِي والشّجْرِي، وتنقلب الألف ياء»( [59]). ومن خَصَائص لهجة أنجرة أيضا نُطقهم القاف كَافاً( [60]).
4 - الأنْدَلُسِيُّونَ فِي بِلاَدِ جْبَالَة
لعلّ المجال المتاح الآن يضيق عن تخصيص دراسة تشمل الأثر الأندلسي في جميع مجالات النشاط الإنساني في جميع قبائل جْبالة، ولذلك سنكتفي - في هذه الدراسة - بالكلام على أُصُول سُكّان تلك البلاد وعلاقتهم بالأندلس، والقبائل التي تشملها الدِّرَاسَة هي: الفحص (فحص طنجة)، والغربية، بني مصوّر، جبل حبيب، وَادْرَاس، بني يدر، بني عروس، بني يسف (أو يوسف)، سماتة (أو سُوماتة)، الساحل، ....وغيرها. وقبل أن ننتقل إلى الكلام على الأصول الأندلسية لسكان هذه القبائل، نُشير إلى أن الأسر الأندلسية التي تحمل لقب "الأندلسي" موجودة في جُلِّ القبائل الجبلية والهبطية ولاسيما في بني مصور، وجبل حبيب، وسُوماتة، وبني يسف( [61]).
- قبيلة الفحص: ونعني فحص طنجة، وهو أشهر فُحوص شمال المغرب، ويشتمل على المنطقة السّهلية التي تمتد جنوبيّ المدينة حتى وادي تهدّارت تتخللها بعض التلال والرّوابي، ومِنْ قُرَاهُ الأندلسية: الديموس، وشرف العقاب، وبْرِيْش... وقد استوطنه الأندلسيون قديما واتخذوا من أراضيه عَرَاصِي ومَزَارِعَ لهم، وقد ازداد عددهم بعد احتلال طنجة من قِبل البُرتغاليين عام 876 ﻫ/ 1471 م وخُروج أهلها إلى الفحص وأنجرة. ولم يُتَحْ لي أن أقوم بجمع أسماء العائلات الفحصية التي تتحدّر من الأندلس، ولذلك لا أُثْبِتُ هُنا إلا ما تلقّيتُه بشكل مُؤَكّد من بعض الأُسَر وما ظهر لي من خلال دلالة بعض الألقاب التي تحملها عائلات مثل: الفَحْصِي، والديموسي( [62])، وابن سلاّم، والخمّال، والبكدوري، والجبيلي، والمنيسار (المنيصار)،... وينبغي أن أُذَكِّر أنّ كَلِمَة "الفحْص" من الألفاظ الأندلسية المتداولة بالمنطقة، ولكن لا يُراد بها المعنى اللُّغوي الفصيح للكلمة، ولذلك كان بعض المشارقة يستشكل عليهم مَعْنَاهَا الأندلسي، يقول ياقوت الحموي: «بالمغرب من أَرْضِ أندلس مواضع عِدّة تُسَمّى الفَحْص، وسألت بعض أهل الأندلس: ما تَعْنُونَ به؟ فقال: كُلُّ مَوْضِعٍ يُسْكَنُ سهلا كَانَ أو جَبَلاً بشرط أن يُزرع نُسَمِّيه فَحْصاً، ثم صَارَ عَلَماً لعِدّة مواضع»( [63]).
- قبيلة جبل حبيب: لهذه القبيلة علاقة قديمة بالأندلس، وحبيب الذي لا يُذكر جَبَلُ القبيلة إلا مُضَافًا إليه هو: حبيب بن أبي عبيدة بن عُقبة بن نافع الفهري، حفيد فاتح المغرب، وترجم له الحُمَيْدِي، فقال: «حبيب بن أبي عبيدة، واسْمُ أبي عبيدة مُرّة بن عُقبة بن نافع الفهري، من وجوه أصحاب موسى بن نصير الذين دخلوا معه الأندلس، وبقي بعده فيها مع وجوه القبائل إلى أن خرج منها مع من خرج إلى سُليمان بن عبد الملك. ثم رجع حبيب بن أبي عبيدة بعد ذلك إلى نواحي إفريقية، وولى العساكر في قتال الخوارج من البربر، ثم قُتل في تلك الحروب سنة ثلاث وعشرين ومائة»( [64]). وقد وَصَفَ الحسن ابن الوزّان هذا الجبل، فقال: «جبل حبيب: في هذا الجبل ستة قُصور أو سبعة، يسكنها أُنَاس كِرَام مُحْترمُون. وذلك أَنَّهُ بعد سُقوط طنجة في يد البرتغاليين جاء عدد كبير من أهلها إلى هذا الجبل واستقروا فيه، لأنه على مسافة خمسة وعشرين ميْلا من مدينتهم»( [65]). وقَبْلَ أن تأوي إلى هذا الجبل جالية طنجة التي أُرغمت على الخروج من بلدتها سنة 1471 م، وكانت تضمّ عدداً من الأسر الأندلسية، كانت جالية غرناطية كبيرة قد لجأت إليه، وإلى قبيلة بني مصوّر، وبني يدر، ووَادْرَاس. ولم يَسمح لي الوقت حتى الآن أن أُنجز لائحة بأسماء الأسر الأندلسية التي تستوطن جبل حبيب، غير أنّ المشهور منهم هم أولاد الأندلسي، وأولاد الرُّوسِي، وأولاد المتني، وأولاد دبُّون،... وغيرهم.
- قبيلة وادي راس: يذكر الحسن ابن الوزّان أن أهل وَادْرَاس كان لهم إسْهام متميِّز في الجهاد بالأندلس، وسمى أحد أبطال هذه القبيلة الذي حارب النصارى في وقعة العقاب حتى أكرمه الله بالشّهادة، قال: «وادراس: جبل شاهق بين سبتة وتطاوين، يسكنه رجال ذَوُو شجاعة فائقة بَرْهَنُوا عنها بجلاء في الحروب التي دارت بين ملوك غرناطة ومُلُوك إسبانيا، فكان هؤلاء الجبليون يذهبون متطوعين إلى غرناطة ويقومون بما لا يقوم به كل جنود أولئك الملوك مجتمعين. وإلى هذا الجبل يعود أصل المدعو هلولي( [66]) الذي شارك في معارك ضارية ضد الإسبانيين، ويتداول الناس في بلاد افريقية والأندلس قِصَصًا شعبية نثرية وشِعْرِيّة تُشِيدُ بانتصارات هذا البطل، مثلما يوجد في ايطاليا من قصص بطولات رُولاند. وقد قتل هلولي في حرب اسبانيا لما انهزم يوسف الناصر [الموحدي] قرب قصر في قطلونيا يُسَمِّيه المسلمون قصر العقاب، حيث قتل عشرة آلاف محارب من المسلمين، ولم ينج إلا الملك في قلة من أتباعه، وذلك عام 609 للهجرة، الموافق لعام 1160 للميلاد. وبعد هذه الهزيمة للمُسلمين أخذ النّصارى يحققون انتصارات في اسبانيا، إلى أن استردوا كل المدن التي كانت بيد المسلمين. وقد مرّت على هذه الهزيمة 285 سنة هجرية قبل أن تسقط غرناطة بيد ملك اسبانيا»( [67]). ومما يُسجَّل في علاقة أهل وادراس بالأندلس أنه كانت لهم عِنَايَة كبيرة بِنَسْخِ كُتب الأندلسيين، ولا يزال لبعض مُنتسخاتهم الأندلسية بَقِيّة بخزانة القرويين بفاس( [68]). وقد لاذت بهذه القبيلة العديد من الأسر الأندلسية من أهل الجزيرة الخضراء وأَنْدَرَاش وأهل بعض القُرى الغرناطية والمالقية، ولم أتفرّغ لجمع أسمائهم حتى الآن بيد أنّ ألقاب بعض العائلات تدلُّ على تحدّرهم من أصول أندلسية مثل: سلمون، وابن تاويت، والرّنبوق، واسْطيطو أو اسْتيتو، الزربوح، ومجاهد،...
- قبيلة بني مصوّر: استوطن هذه القبيلة عددٌ من أهل الأندلس الذين نزحوا إلى المغرب. ومِنْ بني مصوّر أيضا خرجت إحدى أبرز العائلات المُجَاهِدَة التي قاومت الاستعمار البرتغالي والإسباني والإنجليزي لمدن الشمال في القرن العاشر والحادي عشر الهجريين، وأعني عائلة بوليف (أو أبو الليف كما كان يُرسم اللّقب قديما)، وهي عائلة أندلسية( [69])، نَزَحَت من غرناطة وكوّنت تجمعا في قبيلة بني مصوّر وجبل حبيب وعين قصاب، وأهم تجمّع لهم يوجد بقرية بُولِيفْش بقبيلة بني مصوّر، ومن أبرز مُجَاهِدِي هذه الأسرة: المجاهد المقدم محمد بن الحسن بُوالليف الذي استشهد عام 1002 ﻫ( [70]). وعدا أولاد بوليف، توجد بقبيلة بني مصوّر العديد من الأُسَر ذات الأصل الأندلسي، منهم: أولاد الأندلسي أو الأندلوسي، أولاد ابن عطية (أولاد بوعطية)، أولاد بكُّور، أولاد أجانا، أولاد بُوحْديد... وغيرهم، وجميعهم من مهاجرة غرناطة.
وينبغي أن نُنَبِّه إلى أن كلمة "أولاد" مصطلح يُفيد البيت أو الأسرة، وصار معناها في كلام العامة مرادفا لكلمة "بنو"، وقد بُدئ في استعمالها في العصر الغرناطي الأخير، استعملها مُؤَلِّفُ "نبذة العصر" والقنطري في "تكميل أزهار الرياض"، وغيرهما.
- قبيلة بني يدر: وهي قبيلة مُجَاورة لمدينة تطوان، وقد أَوَى إليها عدد من الأندلسيين، أو السبتيين ذوي الأصل الأندلسي. وأشهر أُسرة أندلسية قطنت قبيلة بني يدر هم أولاد النَّقْسيس( [71])، وأهم تجمع لهم يوجد بقرية النقاقسة. وقد تزعّموا الجهاد ضِدَّ الإسبان المحتلين لمدينة سبتة، وحكموا تطوان وأحوازها رَدْحًا مِنَ الزمن. وفي القبيلة اليدرية بيوتات عديدة للأندلسيين منهم: النقاقسة المذكورون، وأولاد الرُّنْدِي، وأولاد شقّور أو شقّارة،... وغيرهم كثير.
- قبيلة بني كرفط: استوطنها الأندلسيون الذين نزحوا من غرناطة، وأشهرهم أسرة غيلان. ومن هذه العائلة خرج الرئيس الخضر غيلان الذي حارب البرتغاليين والإنكليز المحتلين لطنجة عُقُودا من السِّنِين( [72]). وهُمْ شُرفاء ولهم زاوية( [73])، ومواطنهم في قبيلة بني كرفط هي قُرى: الصخرة، والخطوط، ودار القرمود،... وغيرها. ولأسرة غيلان بُيوتات عديدة في طنجة وتطوان وأزيلا.
- قبيلة بني عروس: أَوَى إليها العديد من أبناء الجالية الأندلسية، كما عَرَفَتْ القبيلة مَوْجَة من الاستيطان الموريسكي بعد احتلال مدينة العرائش مِنْ قِبَل الإسبان عام 1610 م، فقد اضطّر أهلها - وكانوا في غالبيتهم من الموريسكيين - إلى الخُروج إلى القبائل المجاورة كبني عروس الذين يُنسب إليهم تعمير المدينة في القديم إذْ كانت تُعرف بعرائش بني عروس، ومما يمكن أن نعتبرهُ مِنْ أثر الأندلس الباقي في بني عروس تَمَيُّز أهلها بفصاحة ألسنتهم العربية، وحفظهم لموازين مُوسيقى الآلة الأندلسية( [74]).
- قبيلة سماتة (سوماتة): علاقتها بالأندلس قديمة، انتهت إلى الصفاء بعد عُقُود من الجفاء. ومن حُصون سُماتة التي لعبت دورا في التاريخ المغربي الأندلسي "قلعة حجر النسر" التي تمكّن الأندلسيون - بعد حروب طويلة على الحسن ﮔﻨﻮن - أن يَضُمُّوهَا إلى ولايتهم في القرن الرابع الهجري( [75]). وقد أعقب ذلك هجرة عدد كبير من السُّوماتيين إلى الأندلس، وفي كُتب التّراجم الأندلسية ذِكْرٌ لمن نبغ منهم في ضرب مِنْ ضُروب المعرفة.
- قبيلة بني يسّف (بني يوسف): وهي من القبائل التي نزلها الأندلسيون المهجّرين، ويمكن أن نلمس أثر ذلك في أسماء مداشرهم، ففي قبيلة بني يسف نجد قرى: الحمّة (أو حمّة الشرفاء)، الجبيلة، الريحانة، القصبة، الجزيرة، العنصر، فدان الجبل،... أمّا فيما يتعلّق بسُكّان هذه القبيلة، فإنّ نسبة منهم جاءت من الأندلس، ومما يُقَدّم كمثال على ذلك: «البُوطِيون، الذين هَاجَروا من الأندلس أيام المرينيين، وقصدوا مُرّاكش ثم أتَوْا إلى حمّة الشرفاء ببني يوسف، ومنها انتقلوا إلى مدشر الجبيلة»، حسبما هو مُثْبت في شجرة النّسب البوطي( [76]).
- قبيلة الغربية : استقبلت قبيلة الغربية أفواجا من مهاجرة الأندلس. ويذكر المؤرخ ابن عزوز عائلة "الغربي" التي نزحت من الأندلس سنة 1502 م، واستقرت بشمال المغرب. إلا أن هذه العائلة قد تكون منسوبة إلى منطقة الغرب بالأندلس التابعة حاليا لدولة البرتغال( [77]).
- قبيلة الساحل: تقع قبيلة الساحل بين أصيلة والعرائش، وقد سكنتها أسرٌ من الجاليات الأندلسية التي وفدت على المنطقة الشمالية للمغرب، ثم انضمّ إلى ساكنتها عددٌ من أندلسيي أصيلة لما سقطت بيد البرتغاليين عام 1471 م، كما عرفت المنطقة مَوْجَة من الاستيطان الموريسكي لما باع المامون مدينة العرائش للإسبان عام 1610 م، فقد اضطر أهلها -وكانوا في غالبيتهم من الموريسكيين- إلى الخروج إلى قبيلة السّاحل وقبائل بني عروس وبني كرفط، ولم يمكث في المدينة إلا فئة قليلة منهم، وتُسجِّل الوثائق الإسبانية أنه «كان بالعرائش عند احتلالها 150 من الموريسكوس المطرودين من اسبانيا، يهتم مُعظمهم بالزِّراعة في الحقول والبساتين وبأعمال البناء فكانوا يأتون بأعمال باهرة في الزراعة والبناء، إلا أنّ أكثرهم لم يكنْ محلّ ثقة الإسبان، فضايقوهم إلى أن لم يبق منهم إلا نحو 30 برهنوا على اتقانهم لمهنة التّرجمة»( [78]). وعموما، فقد كانت هذه البلاد مهوى أفئدة عدد من الأسر الأندلسية، برز دور أفرادها في الجهاد والعلم والتجارة، وقد عرفنا منها عائلات: الروّاس، والعشّاب، والنقّاش، والعطّار، والتويجر،... وغيرهم كثير.
5 - الأندلسيون في بلاد الهبط
ليس هناك تحديد مضبوط لهذه المنطقة غير أنّ مارمول كربخال قد يكون هو أوّل مَنْ فرّق بين جْبالة والهبط عندما جعل قبيلة بني كرفط نهاية بلاد جْبالة( [79]). بلاد الهبط يُعرِّفها ابن الوزّان بما يلي: «ناحية الهبط، تبتدئ هذه الناحية جنوبا عند نهر ورغة لتنتهي شمالا على المحيط، وتُتَاخِم غربا مستنقعات أزغار، وشرقا المشرفة على أعمدة هرقل. ويبلغ عرضها نحو ثمانين ميلا، وطولها نحو مائة ميل. هذه الناحية عجيبة حقا بسبب خصوبتها ووفرة انتاجها، معظمها سهل تخترقه مجاري مياه عديدة. وكانت في قديم الزمان أكثر نبلا وشهرة منها في أيامنا هذه، ففيها مُدُن أزلية، أسس بعضها الرومان، وبعضها القوط». ثم أتى ابن الوزّان بنُبذة عن تاريخ المنطقة، ومن جُمْلة مَا ذكر أن «الحاجب المنصور بن أبي عامر الأندلسي استولى على هذه الناحية في القرن الرابع الهجري»( [80]). وتظل حدود الهبط التي يُقدِّمها ابن الوزّان هنا بحاجة إلى تدقيق ومقابلة بأسماء المواقع الحديثة، وبحسب المستعرب ميشو بللر فإن بلاد الهبط التي حددّها ابن الوزّان كانت تشمل سُهول الغرب وقبيلة الخلوط وجزءا من بلاد جبالة( [81]). ويبدُو أنّ الجزء المقصود مِنْ بلاد جبالة والمحسوب على الهبط هي قبائل: سُماتة وبني كرفط وبني يسف( [82]). وإذا أردنا أن نُمَيِّزَ بلاد الهبط باسم جديد قُلنا إنها "جبالة السُّفلى"، وقد نكون تكلّمنا على بعض قبائلها في الفصل السابق، وبَقِيَ علينا أن نُعَرِّفَ بالقبائل الأخرى، وهي: آل سريف، رُهونة، صرصر، مصمودة، بني زكار، وجميع هذه القبائل تقع في محيط مدينة وَزّان ومدينة القصر الكبير. وقد كُنَّا سنعرف كثيرا عن هذه القبائل لو وصلنا كتاب "الحلّ والرّبط في قبائل وثُغُور أهل الهبط"( [83]) الذي ألّفه أبو عبد الله محمد بن رُش
الأَنْدَلُسِيُّونَ فِي بِلاَدِ جْبَالَة وَالهَبْط
الأستاذ رشيد العفاقي
باحث في تاريخ المغرب والأندلس - طنجة
1 - مُقَدِّمَة عَامَّة
إنّ الكِتابة عن بُيُوتَات المغرب والأندلس هي مِنْ صَمِيم الكِتابة عن حضارة وتاريخ البلدين، لأنّ جُزءاً كبيراً من هذه الحضارة وذلك التّاريخ لم يَقُمْ إلا على أكْتَافِ هذه البيوتات، سَوَاءٌ في الميدان السياسي أو في المجال العِلْمِي. ومَنْ يَقُمْ بإطلالة على كُتب التاريخ والتّراجم الأندلسية سيُلاحِظُ مَا كَانَ لِعَدَدٍ من بُيُوتَات العرب والبربر في عَصْرِ الطّوائف بالأندلس مِنْ رِفْعة وشَأْنٍ في الميدان السياسي، ومَا قَامَتْ به الأُسَر العِلْمِيّة من جُهْدٍ في سبيل المحافظة على تَسَلْسُل العُلُومِ والآدَابِ. وعَلَى الرّغم من سَيْل الكِتابات التي أُلِّفَت في هذا الموضوع لا يُوجَدُ -حتى الآن- كتابٌ جامعٌ يُحْصِي أعدادهم ويُجَلِّي دَوْرَهُم في ازدهار الحضارة الأندلسية.
ويُعتبر المغرب أكبر بُلدان العالم احتضاناً للمُهاجرين الأندلسيين، فقد بدأ في استقبال أَفْوَاجِهِم مُنذ سنة 136 ﻫ المعروفة في التاريخ بسنة بَرْبَاط، مُرورا بواقعة الرّبض وما تَبِعَهَا مِنْ هِجْرَةِ القُرْطُبِيِّينَ إِلى فَاس وتأسيسهم لِعِدْوَة الأندلس، ثم ازداد تدفّق المهاجرين الأندلسيين عَلَى المغرب بعد سُقُوط الحواضر الأندلسية الكبرى كبلنسية وقرطبة وإشبيلية، واستمرّت الهجرة إليه بِشَكْلٍ فردي أو جماعي حتى سُقوط غرناطة وضياع الأندلس بالكامل عام 897 ﻫ/ 1492 م، وظلّ المغرب فاتحا أبوابه أمامهم في السنوات والعُقُود التي تَلَتْ سُقوط غرناطة حتى الجلاء الأخير للمُورِيسكيين عام 1609 م. إنَّ هِجْرة الأندلسيين إلى المغرب قديمة، وقد سَمَحَ لهم هَذَا القُدُوم المُبَكِّر أنْ يُصبحوا -مع مُرور الوقت- عناصرَ أصيلة داخل المجتمع المغربي، مُتَمَيِّزِينَ في عدد من المجالات حتى كانت القاعدة أنّه «لا يُستعمَل بَلَدِيّ مَا وُجِدَ أندلُسي»( [1]). وقد عني المؤرِّخون المغاربة بإحْصاء الأُسَر الأندلسية التي استوطنت بعض مناطق المغرب، منهم: أحمد بن أبي يَعْزَى العرائشي( [2])، والفقيه محمد بَرْهُون (ت.1241 ﻫ) ( [3])، والفقيه مُصطفى بن محمد بُوجندار( [4])، والشيخ النّسابة عبد الكبير بن هاشم الكتاني( [5])، وأبو العباس أحمد الرهوني( [6])، وعبد الرّحيم جَبُّور العُدِّي( [7])، الفقيه محمد داود( [8])، ومحمد ابن عَزُّوز حَكِيم( [9]).
ومما يُلاحظ أنّ الإحْصَاء في جميع التآليف المذكورة - عَدَا تأليف الفقيه بَرْهُون - عني بالعائلات الأندلسية التي استوطنت المدن، ولم يهتم بالأُسَر التي سَكَنَت البادية، وهذا الخَصَاص هو مِنْ مَوَاطِنِ الضُّعف التي لا يزال يشكو منها البحث في هذا الموضوع. ولمّا كانت الأُسَر الأندلسية التي سَكَنَت البادية لا تزال غير معروفة لدى الباحثين وعُموم الناس، فقد رأيتُ أنّه من المفيد أنْ أتوجّه إلى إنجاز دِرَاسَة عن العائلات الأندلسية التي استوطنت القبائل الجبلية والهبطية، وأنْ أتتبَّعَ الأثر الباقي في جوانب عِدّة مِنْ حياة أندلسيي البادية كاللّهجة، وتقاليد الاحتفالات، والفلاحة، والتعليم... وغير ذلك. ومما ساعدني في إنجاز هذا البحث أنّ الجماعات الأندلسية سواء التي استوطنت البادية أو المدينة ظلّت مُحافظة على التّقاليد الأندلسية في اللِّباس والطبيخ والأعياد والفلاحة والموسيقى... إلى اليوم.
2 - النُّصُوصُ التي تُؤَرِّخُ لهجرة الأندلُسيِّين إلى منطقة جْبَالَة
يتبيّن من نَصِّ ورد بذيل كتاب "نبذة العصر"( [10]). أنّ نِسْبَةً كبيرة من الأندلسيين الذين نزحوا إلى المغرب سنة 897 ﻫ/ 1492 م استوطنوا البادية، لاسيما في الشمال الذي كانت حواضره الرئيسية مُحْتَلَّة من قِبَلِ البرتغاليين كطنجة وسبتة وأصيلا والقصر الصغير، والذي يَهُمُّنا من تلك الأفواج الأندلسية المهاجرة، في هذا البحث الخاص بمنطقة جبالة والهبط، أربعُ فِرَقٍ:
1) - أهل الجزيرة الخضراء الذين خرجوا في نصف اليوم إلى طنجة، فاستوطنوا ضواحيها التّابعة لها مثل الفحص وقبيلة أنجرة وقبيلة وادراس لأن المدينة التي كان يحتلها البرتغاليون منذ عام 876 ﻫ /1471 م.
2) - أهل رُندة، وبسطة، وحصن موجر، وقرية قردوش، وحصن مرتيل، الذين استقروا بتطوان وأحوازها.
3) - أهل بَرْبَرَة وبُرْجَة وبُولة وأَنْدَرَاش الذين خَرَجُوا إلى ما بين طنجة وتطوان ثم انتقل البعض منهم إلى قبيلة بني سعيد من قبائل غمارة. وعبارة المؤلِّف "ما بين طنجة وتطوان" تعني أنهم نزلوا قُرَى قبيلتيْ وَادْرَاسْ وأنجرة، ولعلّ انتقال بعضهم إلى قبيلة بني سعيد بغمارة إنما أتى بسبب الهجمات التي كان يشنّها عليهم الجيش البُرتغالي المحتل لمدينة طنجة.
4) - أهل مرينية الذين خرجوا في يوم إلى مدينة أَزَيْلَة وما قرب منها. فلا شكّ أن هؤلاء الأندلسيين لم يتمْ لهم الاستيطان إلا في مَا قَرُبَ مِنْ مدينة أَزَيْلَة التي كانت قد احتُلت من قِبَلِ البرتغاليين منذ عام 876 ﻫ /1471 م.
ولكن المؤرِّخين يتحدّثون عن هجرات أندلسية إلى هذه المنطقة سبقت سُقوط غرناطة بحوالي ثلاثة قُرُون، وأهمّ تلك الأفواج الأندلسية هي جالية إشبيلية التي وفدت على سبتة وأحوازها في النِّصف الأول من القرن السّابع الهجري، وقد قدّر المؤرخ البرتغالي ماسكارنهاس عدد أفرادها بنحو 100 ألف نسمة( [11])، غير أنّنا لا نحسب أنّ مدينة سبتة كانت قادرة على تحمّل هذا العدد الكبير من الوافدين الأندلسيين فهي مدينة صغيرة «لا تحتمل الزّحام ولا تُعِين على ما يجب من صِلَة الأرحام» كما يقول عبد الملك اليُحَانْسِي( [12]). وبالتالي فإن عددا كبيرا من أفراد هذه الجالية الإشبيلية قد فضّل الاستيطان بقبيلتي أنجرة والحوْز، وسوف نتكلم على الأثر الإشبيلي البارز في الحياة المعيشية لِسُكّان أنجرة، القبيلة التي تُعتبر مدينة سبتة امتداداً لنِطَاقِها الجُغرافي. وعندما احتل البرتغاليون مدينة سبتة عام 818 ﻫ/ 1415 م تشتت أهلها على القُرى والمداشر المجاورة بقبيلة أنجرة والحوز. الشيء نفسه حصل لَمّا خرجت مدينة طنجة من يد المسلمين سنة 876 ﻫ/ 1471 م، انتقل أهلها - وكانوا في غالبيتهم مِنْ ذوي الأصل الأندلسي- إلى سُكْنى أنجرة والفحْص، فامتلأت بهم البادية، فلا غرابة إذا وَجَدْنا اليوم أنّ (٪80 من سُكّان هذا الإقليم هُمْ مِنْ أُصُولٍ أندلسية، ٪50 منهم مِنَ الفئة المورِيسكية أيْ الفوج المطرود من الأندلس من طرف مَحَاكِم التّفتيش)( [13]).
3 - الأندلسيون في قبيلة أنجرة
إذا كان اتجاه الهجرة في القُرون الأولى التي تلت الفتح الإسلامي للأندلس، مِنَ المغرب إِلَى الأندلس، فإنه في العُصُور المتأخِّرة من العصر الوسيط سيتحوّل اتجاه الهجرة مِنَ الأندلس إلى المغرب. وفي هذا الإطار احتضنت قبيلة أنجرة أعدادًا هائلةً من الأندلسيين الذين أُجْبرُوا على الخروج من مُدنهم وقُراهم وجازوا البحر إلى العدوة المغربية، ولعلّ موقعها المتميز هو السبب الذي جعل المهاجرين يَحُطُّونَ رحالهم بها ولا يُغادرونها إلى مكان آخر، فهي أقرب منطقة إلى الأندلس، وبلاد جبالة هي أول رُبُوع المغرب التي يطؤها الأندلسي القادم إليه، يقول مُؤَرِّخ جْبالة الأستاذ المريني العياشي -رحمه الله- في معرض كلامه على العناصر البشرية التي استوطنت بلاد جْبالة: «غير أنّ العُنصر الجديد المهاجر من الأندلس عند سُقوط غرناطة (1492 م) وقبلها وبعدها، وإِنْ لم تكن له من المميزات ما تجعله ينفرد بها عن غيره أو يتعصّب لأصله وعاداته لأنها في مجملها كانت متشابهة ومتقاربة مع العادات الجبلية، إلا أنّ تفوّقه في الميدان العلمي والاقتصادي والاجتماعي والتِّقني جعله يملأ بعض الفراغ الذي كان حاصلا بالمجتمع الجبليّ، وبالتالي يُدْخِلُ إلى المنطقة أساليب جديدة في الميادين الاقتصادية والثقافية ونحوهما، كما ظهر ذلك واضِحًا في بعض القبائل الجبلية التي استفادت من هذه الهجرة كأنجرة والحوز وجبل حبيب وبني سعيد والشّاون وبعض القبائل الغُمارية، وهذا ما جعل بعض قبائل جْبالة تتأثر بالمَدَنِيَّةِ الأندلسية وحضارتها كما يتجلّى في القبائل التي كانت مُستهدفَة لهذه الهجرة»( [14]).
لقد عرفتْ قبيلة أنجرة هِجْرتين أندلسيتين هَامّتين: الأُولى هي الهجرة الإشبيلية في أواسط القرن السّابع الهجري، والثانية جاءت بُعيد سُقُوط غرناطة عام 1492 م، تلاهما وُرُودُ موجات من الموريسكيين إلى المنطقة. إنّ طرائق عيش الإشبيليين والغرناطيين مُتَجَلِّيَّةٌ بشكل مُثير في هذه القبيلة، ومما يلفت النّاظر إلى خريطة المنطقة أنّ أغلب أسماء القرى والبلدات الأنجرية يُوجد لها نظائر في الأندلس لاسيما في مملكة غرناطة، من ذلك: الحمّة( [15])، والزاوية( [16])، والملالح( [17])، والخوايم( [18])، والمنصورة( [19])، والقلعة( [20])، والحومة( [21])، والخندق( [22])، والرّملة( [23])، والرميلات( [24])، والقصيبة( [25])، والشطيبة (والنسبة إليها الشطيبي، وهي تصغير شاطبة)، والدّالية، والزّهَّارَة... بل إن اسم أنجرة ذاته نجد له نظيرا في الأندلس، وهي "بلدة الأَنْجَرُون، مِنْ بُشَرَّةِ غرناطة"( [26]).
3-1. العائلات الأندلسية القاطنة بقبيلة أنجرة
الأُسر الأندلسية التي استوطنت قبيلة أنجرة هي في الغالب من مُهاجرة إشبيلية وغرناطة ومالقة والجزيرة الخضراء، وفيما يلي لائحةٌ بأَسمائِها:
الأندلسي - الشاط (وأشهر أعلامها هو: قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط المترجَم في "الإحاطة"( [27])، وقد كان لأفراد هذه العائلة إسهام كبير في الجهاد وقد سجّلت كُتُب التاريخ صُوّرا مُشرقة من بُطولاتهم في هذا المضمار، وأشهر مجاهدي هذا البيت: قاسم الشّاط الأندلسي( [28]). كما كان لبعضهم سهمٌ في التّأليف، نعرف أنّ لأحد أولاد الشّاط تأليف في "الإسطرلاب"، وللأستاذ عبد القادر الشّاط( [29])ديوان شِعري سمّاه: "بُرادة اللجين".
ومنهم: العفاقي- الخليع- الشعيري- ابن عجيبة (نبغ منهم أحمد بن عجيبة (ت. 1224 ﻫ) مُؤلِّف "البحر المديد في تفسير القرآن المجيد"، و"شرح الحكم"، وغيرهما من التآليف المفيدة( [30]). - حَجّاج- قنجاع- النّْوِينُو- البيّاري- الهرّاس- الموغة- شابو- بروحو- اغزيل (ومِنْ عُلماء هذا البيت الفقيه أحمد بن عبد الكريم اغزيل( [31])) - البقّاش (نبغ في هذه الأسرة الفقيه المقرئ محمد بن حمان البقّاش (ت. 1945 م)، له من التآليف: كتاب في "قراءة الإمام البصري"، وكتاب في "الارتحال في القراءات"، وتقييد في "تاريخ قبيلة أنجرة").
ومنهم: الفتوح- الهيشو- العاقل- بُولْعَيش (ومن علمائهم الفقيه أحمد أبو العيش الشهير بالفقيه مصباح( [32])). - بُوزِيد (المشهور منهم هو الفقيه أحمد بوزيد الذي نبغ في علم التوقيت وترك لنا تآليف عديدة في هذا الفن( [33])).
ومنهم عائلات: قَرُّوق- الأشقر - الدّامون- العشيري- الراضي- السعيدي- عَبّود- الشيوة- الدّمغة- الحايك- البرّاق- عيّاد- اللغميش- فِيغُو- الهواس- البرّاج- الشرّاط- كحلون- الهرُّوس- الدّهدوه- عْزيبو- مارصو- المفضّل- سلامة- الأنصاري- الكحّال- زميزم- الطويل- الحداد- الدهري- الزّرْبُوح- الشّلاف- الزّيدي- اعْليلو- حلحول- حمامو- الخيّاط- الزّكاف،....
ولستُ أزعم أنني أنجزتُ لائحة شَامِلة بأسماء الأسر الأندلسية التي تقطن أنجرة، فذلك يتطلب جُهدا إضافيا. وإذا كان التّركيز في هذا البحث قد شمل الأُسر التي وفدت على المنطقة من إشبيلية ومملكة غرناطة، فإنه ينبغي أنْ أُشِير إلى أن بلاد أنجرة استقبلت في القرنين السّادس عشر والسابع عشر الميلاديين أفواجاً عديدة من الجاليات الموريسكية ما لبثت هي أيضا أن اندمجت في المجتمع الأنجري ذي الأصول الأندلسية( [34]).
3-2. الأثر الأندلسي في الفلاحة والغِراسة بأنجرة
لستُ أرغب في هذه الدراسة أن أتكلّم على مُستوى الأنشطة المرتبطة بمعيشة واقتصاد النّاس في أنجرة بقدر مَا أُرِيدُ أن أتتبّع الأثر الأندلسي الباقي في تلك الأنشطة. ولعلّ النّص الذي يصلح لأن يكون مَدْخَلا إلى موضوعنا هو كلام ابن غالب الذي نقله المقري في "نفح الطيب"، قال: «ولما نَفَذَ قضاء الله تعالى على أهل الأندلس بخروج أكثرهم عنها في هذه الفتنة الأخيرة المبيرة، تفرقوا ببلاد المغرب الأقصى من بر العدوة مع بلاد افريقية، فأما أهل البادية فمالوا في البوادي إلى ما اعتادوه، وداخلوا أهلها وشاركوهم فيها، فاستنبطوا المياه، وغرسوا الأشجار، وأحدثوا الأرْحِية الطاحنة بالماء، وغير ذلك. وعلّموهم أشياء لم يكونوا يعْلمونها ولا رَأَوْهَا، فشرفت بلادهم وصلحت أمورهم وكثرت مستغلاتهم وعمّتهم الخيرات»( [35]).
ومُلخّص هذا الكلام أن الأندلسيين انتقلوا بعاداتهم وتقاليدهم الفلاحية إلى مهاجرهم بالمغرب، وفيما يخصُّ الأثر الأندلسي في الفلاحة، فإن كُلُّ مَنْ قُدِّرَ له أن يقف على طرائق أهل أنجرة -وجبالة عموما- في عمل الفلاحة، سواء تعلّق الأمر بغراسة عدد من أصناف الفواكه والخضروات، وزراعة القمح والشعير والذرة، وفي طريقة توزيع مياه السقي وفي أعمال الحصاد والدّرس، أو تعلّق الأمر بالاصطلاحات الفلاحية المتداولة في ذلك، ثم رَجَعَ إلى كُتب الفلاحة الأندلسية -مثل كُتب ابن العوّام الإشبيلي، وكُتُب ابن بصّال- لَوَجَد تلك الطرائق والاصطلاحات مَسْرُودةً فيها، وأَلْفَاها تنطبق تمام التّطابق على فِلاحَة أهل تلك البلاد، ويُمكنني أن أقدِّم أمثلة عديدة على ذلك، وبما أن المجال لا يسمح بالتّطويل فإني سأكتفي بضرب بعض الأمثلة على المغروسات الأندلسية بقبيلة أنجرة.
ثبت لدينا بحُججٍ أنّ الأندلسيين لما جاؤوا إلى بلاد أنجرة كانوا يحملون معهم عدداً من نُقَل مغروسات الأندلس، بدليل أن بعض الفاكهة التي تخبرنا كتب التاريخ والأدب أنها لا تُوجد إلا بالبلاد الأندلسية نعثر عليها بأرض أنجرة، وأعني بعض أنواع التين. فمن أشجار التين الموجودة بأرض أنجرة، أذكر صنفين جلبهما الأندلسيون وغرسوهما ببلاد أنجرة: التِّين القُوطِي والتِّين الشّعري، وهُما من أصناف التِّين التي لم يكن ينبت إلا بالأندلس حسبما يذكره المقري أثناء وصفها، قال: «ولها (أي الأندلس) من أنواع الفواكه ما يعدم في غيرها أو يقلّ، كالتِّين القُوطِي والتِّين الشّعري بإشبيلية. قال ابن سعيد: وهذان صنفان لم تَرَ عيني ولم أَذُقْ لهما منذ خرجت من الأندلس ما يفضلهما»( [36]).
وهذان الصنفان من التِّين موجودان بأرض أنجرة. ولنقف الآن بعض الوقت مع التِّين القُوطِي، فجميع أنواع التِّين تُثْمِر مَرّتين في السّنة في يونيو وفي أواخر غشت أو بداية سبتمبر، فأهل أنجرة اليوم - كما أسلافهم أهل الأندلس قديما - يقولون لما ينضج مُبكِّرا من فاكهة التِّين: البَاكُور( [37]). والإثمار الثاني يُسَمِّيه فلاحُو المنطقة بـ(الخريف)، ربما لأنه ينضج في أوائل فصل الخريف. ومن المعروف لدى الفلاحين أنّ الإثمار الأول أَجْوَدُ من الثاني. ومما أودّ إضافته حول التِّين القُوطي -عن تجربة ومُصَاحَبة طويلة، إذْ كانت شجرة من هذا الصِّنف (التِّين القُوطي) موجودة في جنان وَالِدِي -رحمةُ الله عليه- بقرية لهشبة- أنَّه هو الوحيد من بين أنواع التِّين الذي لا يُثمر إلا مرّة واحدة ويكون ذلك في أواسط شهر غشت. والتِّين صنفان أسود وأبيض، والتِّين القُوطي من النّوع الأبيض وإنْ كان يغلب عليه اللّون الأخضر أو الفُستقي، وحَبّته صغيرة ولكنها في غاية الحلاوة.
أما التِّين الشَّعري، فهو موجود كذلك بأرض أنجرة، وبعض أهلها يُسمُّونَه الشعيري أو الشعايري( [38]). وهذا التِّين موطنه الأصلي بإِقليم الشعير بضواحي إشبيلية، وفي تفضيل هذا الصنف من التِّين، يقول ابن سعيد القلعي نقلا عن "المسهب" للحجاري عند وصف تِين مَالَقَة: «وهو مُفَضَّلٌ على سائر تِينِ الأندلس، إلّا شعْريّ إشبيلية، فإن بعضهم يُفضِّله، ولاسِيما في دُخوله في الأدوية ومنفعته»( [39]). وإذا كان "القوطي" و"الشعري" مما جلبه الإشبيليون إلى أرض أنجرة، فقد وَجَدْنَا بها أيضا بعض أثر لمغروسات أهل شرق الأندلس ممثّلةً في: البرقوق البلنسي.
ومن أثر الأندلسيين بأنجرة المرتبط بالفلاحة: الأرحاء (جمع رحى، وتجمع أيضا على أرْحِية) التي تطحن الزّرع، وكانت موجودة بأنجرة ولكنها تعطّلت منذ زمن ليس ببعيد بسبب ظهور المطاحن العصرية، وكانت هذه الأرحاء تُصنع من الخشب وتُبنى لها بيوت على الأودية، عرفنا واحدة منها في وادي الرّوز، وأخرى في وادي المرسى، ورُبّما وُجِدت في غيرها من القُرى الوادية بتعبير أبي القاسم الأنصاري. وثمة في أنجرة أرحاء نصبت على عُلُوٍّ حيث صبيب الماء ينهمر بقوة من بعض الجبال كما هو حال رحى عين العجائز، ورحى العناصر (أو العناسْر كما يلفظها أهل المنطقة).
3-3. الاحتفالات الأندلسية على أرض أنجرة
كان الأنجريون يحتفلون بالعديد من الأعياد الإسلامية ويُقيمون لها حقّها من الرِّعاية والاهتمام، أوّلهما العيدين (الأضحى والفطر)، ثُمّ الاحتفال بِذِكرى المولد النبوي الذي لا يَقِلُّ في مظاهره عن العيدين فرحًا وابتهاجا، كَتَبَ القاضي الحاج محمد السّراج عن عناية أهل أنجرة بالمولد النّبوي، فقال: «ولقد شاهدتُ طيلة مُقامي وقت الدِّرَاسَة بقبيلة أنجرة المتصلة بسبتة اعتناءً كبيرا بليلة ولادة النبي المعظّم حتى إن كثيرا من المداشر لهم أوقاف عليها، يُنفقون غِلاتها في الاحتفال بها بقدر من طلع عليه فجرها، ورأيت قصائد في مدحه r عندهم لم أَرَهَا في غيرها من القبائل، وهم كإخوانهم بسبتة حينما يدخل الشهر ينظفون المساجد والزوايا ويجيِّرونها ويفرشونها بأنواع الفرش ويجلبون إليها أغصان الرّند من الغابة لتنبعث منها الرائحة الطيبة التي جعلها الله سبحانه فيها، كما يستعملون النَّدّ وغيره من البخور»( [40]).
غير أنَّ أهل أنجرة كانوا -ولا زالوا- يحتفلون بأعياد غير إسلامية، كانت معروفة في الأندلس، ورُبّما كانوا تَابِعِين لأهل الأندلس في ذلك، وكان أبو العباس العزفي قد نَصَحَ الناس (أهل سبتة خاصّة) بترك الاحتفال بها، وأَمَرَهُم بأن يَشْرَعُوا في الاحتفال بذكرى المولد النّبوي، وألّف كتاب "الدر المنظم في مولد النبي المعظم" ترغيباً لهم في ذلك، وقد كُلّلت جُهُوده بالنّجاح إذ منذ ذلك الحين والمغاربة يحتفلون بالمولد النبوي في كل عام، ولكن عادة الاحتفال بأعياد غير المسلمين ظلت قائمة في عدد من القبائل المجاورة لسبتة، منها أنجرة، وهذه الأعياد هي:
- يَنّيْر: وهي ليلة الميلاد أو النيروز، وكان أهل أنجرة يَسْتَعِدُّونَ لها ويُهَيِّئُونَ فيها أطعمة تختلف عن المعتاد، ويُحَضّر في هذا اليوم الاسفنج والرغايف، وتقدّم فيه الفواكه الجافّة كاللّوز والجلوز والزبيب والقسطل والرُّمّان والتّمر.
- العَنْصَرة: وهو من الأيام المشهورة ببلاد الأندلس، موسمٌ للنّصارى يُحتفل به في يوم 24 من يُونيو( [41]) ذكرى مولد يحيى بن زكريا عليه السلام. وفيه يلبس الناس الجديد من الثِّياب، وتُشعل النيران والناس يقفزون فوقها، ويتبارون في رُكُوب الخيل. ولا تزال العنصرة تُقام بأنجرة في أوائل شهر يوليوز من كل عام، بل أصبح يُقام لها مهرجان بقصر المجاز تتعدّد فيه الأنشطة التي تبرز الخصائص الفنية والثقافية للمنطقة( [42]).
3-4. الأثر الأندلسي في البيت الأنجري
البيت الجبلي بأنجرة يحتفظ بالكثير من ملامح البيت الغرناطي، ومَنْ سَبق له أن زار المنطقة الأندلسية القروية بإسبانيا فلاشكّ أنه لاحظ ذلك التّشابه مثلما لاحظه زُرَارَة البرتغالي في القرن 9 ﻫ/15 م( [43]). ومما يُمَيِّزُ البيت الجبلي بأنجرة الجُدران المجيَّرة بالأبيض وجوانبها السُّفلى بالأزرق، والقَرْمِيد الأندلسي الأحمر الذي يُغَطِّي سقف البيت من الخارج، والذي لا يزال الإسبان إلى اليوم يُسَمُّونَه: القرميد العربي Teja Arabe. ومِنْ بين العناصر أو الوَحَدَات الْمُكَوِّنة للمنزل القروي في أنجرة ونَجِدُ لها مثيلا في بُيوت الأندلس القديمة:
- السّطَح: هو في البيت القروي الأنجري يقابل ما يُعرف اليوم في بُيوت المدينة باسم: المقْعَد، وهو ينقسم إلى قِسمين، المدخل، وبِهِ مجلس صغير، ثم يليه قسم آخر دَاخِلي كبير، وفي جانبٍ من هذا القسم الداخلي للسّطح يكون موضع مبيت صاحب الدّار مع أهله، وفيه مُتّسع لجلوس الأضياف، وقد وردت كلمة "السّطح" بهذا المعنى في كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم( [44]).
- الدّْوِيرَة: للبيت الأنجري ما يُعرف بالدّْوِيرَة، وقد وردت في بعض النصوص الأندلسية( [45]). وهي تقع داخل حُدود البيت إلا أنها مكشوفة وغير مسقّفة، وتشمل المساحة الأمامية التي تَلِي السّطح، وتكون محاطة، من جوانبَ ثلاث، بِسُورٍ ارتفاعه يصل إلى مُستوى كتف الإنسان في وضعية وقوف (1.50 متر). وقد تصل مساحة الدويرة إلى 50 متر مربع (5م × 10م)، وتتوسّطها شجرة تين أو كرم (الدّالية). وعادةً ما تكون الميضأة في زاوية من الدويرة. وفي الدْوِيرَة يظهر تَوَلُّع المرأة الأنجرية بأناقة دارها ومُبالغتها في تزيين بيتها لاسيما ما يبرز منه للمَارّة. وفي الدويرة تضع المرأة الوَصِيَّة على البيت جرّات الماء، ورُزم الحطب، وأهمّ ما يلفت النّاظر إلى دْوِيرَة البيت الأنجري أصص الأزهار ومشاتل الورود من أنواع السّوسن والياسمين المرددوش والقرنفل والحبق... التي تصطفّ مُنتصبةً شامخةً على طُول حائط الدويرة الموازي للطريق العام، ومن عاش لِبِضْعَة أيّام في القُرى الأنجرية فَمِنَ المؤَكّد أنه صَادَفَ في طُرقاتها تلك النّسمات العَطِرَة التي كانت تنبعث من جُدران البيوت لاسِيّمَا في العَشِيَّات وقتَ غُروب الشّمس. وللمرأة الأنجرية ولعٌ كبير باقتناء الأزهار والوُرُود، ولا رَيْبَ في أنّ هذا مِنْ أَثَرِ الأندلس الباقي في المنطقة، فالأندلسيون كانت لهم نفس العناية، بل كانوا يُعِدُّون شراء الأزهار مِنْ نَفَقَة البيت، فهذا عبد الكريم القيسي الأندلسي يُعَدِّدُ، في قصيدةٍ له، ما يلزم بيته من حَاجَات، فيذكرُ ما يتعلّق بنظافته وأناقته ويقول: [مجزوء الرمل]
ثُمّ صَابُونٍ لِغَسْلِ
ثُمّ أَزْهَارٍ لِشَمِّ( [46])
- بيتُ المرمّة: مِنْ بين العناصر الْمُكَوِّنة للمنزل القروي في أنجرة: "بيتُ الْمَرَمَّة". ومن أمثال أهل أنجرة: "خْطْبْتِ الْمْرَا وَالمْرَمَّة"، وهذا المثل مِنْ كلام أهل الأندلس الجاري على لسان المغاربة في شمال بلادهم، وهو يُقال للرجل الذي ابتسم له الحظ بِخِطْبة امْرأة من مميزاتها أنها تُجِيد الحياكة. والْمَرَمَّة الواردة في المثل السابق: هي آلة الحياكة التقليدية بالمغرب، وهي مما جَلَبَهُ الأندلسيون إلى المنطقة، ولا زالت معروفة بهذا الإسم إلى اليوم، وتُستعمل في نسج المناديل والجلابيب، وهي الآلة الرئيسية للنّسْج في القُرى والبوادي المغربية والأندلسية، وكانت كذلك حتى في المدن إلى وقت قريب. وقد وَرَدَ ذكرُ هذه الآلة في الكتب القديمة، أشار إليها ابن بطوطة في مُدوّنة رحلته إذْ قال إِنَّهُ شاهد في الطريق بين وَلاَّتَة ومَالِي شجرةً في داخلها حَائِكٌ "قد نَصَبَ مَرَمّته وهو يَنْسُج". وقد أثار هذا المشهد استغراب الرّحّالة الطنجي، أما ابن جُزي الغرناطي فَزَادَ على الطّنجي الخبرَ التّالي: «وببلاد الأندلس شجرتان من شجر القسطل في جوف كل واحدة منهما حائكٌ ينسج الثياب، إحداهما بوادي آش والأخرى بِبُشَارّة غرناطة»( [47]).
كما وردت "المرمّة" في شِعْرٍ لابن الخطيب الغرناطي، قال:
وَاغْنَ بِقُطْنِ الثَّلْجِ عَنْ مَتْجَرٍ
يُغْنِيكَ عَنْ جَمْعٍ وعَنْ حَلْجِ
وَاغْزِلْهُ بالرِّيح وهَيِّءْ لَهُ
مَرَمَّةَ المَصْقُولِ والكَنْجِ( [48])
- بيتُ الكَانون: وهو بيت يُطبخ فيه الخبز، ويُسَمّى أيضا "بيتُ العافية" (أي النار)، ويشمل البيت على مَوْقِدٍ في شكل حُفرة، يُدار بثلاثة أحْجار لا ترتفع عن مُستوى الأرض إلا قليلا، وعليها تُوضَعُ الآنية. أما الفُرْن المبني بالطين فموضعه خارج بيت الكانون .
- الأروى والنّوالة: الأروى هو إصطبل البقر، ويكون مبنيا بالحجر. أمّا "النّوالة" فهي المحل الذي تأوي إليه الماعز، ويتألف من جُدوع الأشجار، وقد وردت "النّوالة" عند ابن ليون التجيبي الأندلسي في أُرْجُوزَتِه الفِلاحية.
3-5. الأثر الأندلسي بأنجرة في المجال العلمي
الأثر الأندلسي في التعليم ببادية أنجرة ملحوظٌ اليوم، فلا زال الفقهاء مُتَّبِعِين النظام الأندلسي العتيق في التدريس وذلك من خلال المتون التي تُقرأ وتُدَرَّس بمسايد المداشر وجوامعها، وفي الخط الأندلسي الذي يُجِيد الكتابة به عددٌ من الفقهاء والطلبة. وبما أننا في هذه الدراسة نُؤَرِّخ للهجرة الأندلسية إلى قبيلة أنجرة فإنه يتوجّب علينا أن نُبرز المعالم والشّواهد المبكِّرة للحضور الأندلسي بالقبيلة في المجال العلمي والأدبي. فَمِنَ المعلوم أن منطقة أنجرة أنجبت عدداً من العُلماء في العصر الوسيط إلا أن ظُهور هؤلاء في كُتب التّراجم والرّحلات لم يكن لِيَتِمّ لو لم يدخلوا إحدى المدن المجاورة كطنجة وسبتة، فَدَوْرُ المدينة في إعْلاء شأن العلم وحَامِلِيه ظلّ دائما دَوْرًا فعّالا بالمغرب والأندلس، أما علاقة عُلماء أنجرة بالأندلس فقد عثرنا في بعض الكُتب على معلومات قليلة يُستفاد منها أن بلد أنجرة كان محطّ رِحَال عددٍ من عُلماء الأندلس الذين كانوا يَجُوزُونَ البحر إلى المغرب في عهد المرابطين والموحِّدِين فينزلون بمرسى قصر المجاز، وهناك يظلون أياما وشهوراً لبَثِّ العلم، وكذلك عَرَفَ القصر نشاطا عِلْمِيًّا مُتميِّزًا في العصر المريني شارك فيه عددٌ من عُلماء الأندلس( [49]). وقد ترجم أبو بكر الحضرمي في "بُلغة الأمنية" للفقيه محمد الأنجري (ت. 803 ﻫ) فذكر أنه «اجتاز إلى الأندلس في أيام السُّلطان الشهير أبي عبد الله محمد بن يوسف ابن الأحمر، فدخل غرناطة ولقي مشيختها وقرأ عليهم وأجازوه كالأستاذ المفتي الأعرف أبي سعيد بن لُبّ والشيخ المحدِّث محمد الحفّار والقاضي أبي عبد الله بن بكر وسواهم، وكتب له في كل ذلك خطّ يده، ثم عاد إلى سبتة»( [50]). ويبدو أن سبتة وقصر المجاز كانا منطلق الأنجريين إلى الأندلس، فلمّا سَقَطَا بيد البُرتغاليين انقطع الاتِّصال.
ومما ينبغي أنْ يُعْلَم أنّ الظُّرُوف التي أتى فيها هؤلاء الأندلسيون إلى أنجرة لم تكن تُساعد على الاهتبال بالعلوم، لقد كانوا يُعَانُون مِنْ مِحْنَة الهجرة والخروج من بلدهم الأصلي، ومِنْ مشكلات الاستقرار في البلد الجديد، كما أنّ الوقائع السياسية التي عصفت بالمنطقة والمتمثلة في احتلال البرتغال لمدن شمال المغرب المطلة على مضيق جبل طارق، وإغارة جُيوشها على القُرى المجاورة لتلك المدن، مع تردّد الكوارث الطبيعية على المنطقة... كُلُّ ذلك كان له أثرٌ سَيِّء على مُستوى عيش السُّكَان وحياتهم، وزَادَت تلك الوقائع مِنْ تَأَزُّمِ الوَضْعِ إلى حدّ أنها جَعَلَت النّاس في المنطقة لا تُفَكِّر إلا في شيئين: الطّعام والأَمْن أيْ توفير الغذاء والدِّفَاع عن القرية والعِيال، وبالتّالي لم يُرفع للعِلْم رَايَة خفّاقة بأنجرة زمن الاحتلال البرتغالي لطنجة وسبتة والقصر الصغير، ولم نقف على أثر عِلْمي أو أَدَبِي للأندلسيين الذين استوطنوا قبيلة أنجرة إلا في القُرون المتأخرة أي بعد جلاء البرتغاليين عن طنجة والقصر الصغير.
3-6. الأثر الأندلسي في لهجة أهل أنجرة
في اللهجة الجارية حاليا على لسان أهل أنجرة أثرٌ كبير لكلام أهل الأندلس، وإنْ كان قد أصابها تغيير بسبب التأثيرات اللغوية الخارجية التي دخلت عليها وأفقدتها بعض أصالتها، وهي لهجة نَلْقَاهَا في نُصوص الأمثال والأزجال الأندلسية القديمة، ولعلّ دارسُو هذه النُّصُوص قد لاحظوا الأثر والتأثير الأندلسي المسموع في لهجة جبالة والهبط، ومما أَوَدُّ ذكره هُنا أن الدكتور محمد بنشريفة حين دَرَسَ "ملعبة" الكفيف الزرهوني أَلْفَاهَا تستعمل لُغة الزجل الأندلسي، وانتزع من النص المذكور عددًا من الألفاظ التي نلقاها كذلك في اللّهجة الأندلسية، وقد خلص الأستاذ محمد بن شريفة إلى «أن هذا التماثل بين "مَلْعَبَة" الكفيف الزّرهوني وبين النصوص الأندلسية من حيث الاستعمال يمكن تفسيره بما يلي: (1) تَأَثُّر الزّجّال المغربي القديم بمحفوظه من الأزجال الأندلسية. (2) اشتراك لهجتيْ الأندلس والمغرب في عدد كبير من الألفاظ التي تعتبر ألفاظا مغربية بالمعنى الواسع. (3) تأثّر لهجة منطقة جبالة التي ينتمي إليها الكفيف باللهجة الأندلسية بحكم القرب والجوار، ولأن أهل جبالة أو غمارة كانوا يقومون دائما بفرض الجهاد في الأندلس ويتطوعون بدخولها من أجل ذلك ثم يعودون إلى ديارهم، ثم إن عددا كبيرا من الأندلسيين استقروا بمنطقة جبالة في أفواج متعاقبة»( [51]).
ومُلَخَّصُ هذا الكلام أنّ جْبالة الأصليين تأثَّروا بلهجة أهل الأندلس بسبب القُرب والمجاوَرة، وأيضا لأن جالية أندلسية كبيرة استوطنت بلادهم بعد الجلاء، وهذا صحيح وإنْ كان يُبقينا دائما في دائرة التأثير والتّأثّر. فالتّعريب الذي قامت بها الجالية الأندلسية لم يكن شاملا في بعض القبائل المغربية ولذلك ظلت مُزْدَوَجَة اللّهجة إلى اليوم، في حين نجد أنّ بعض أهل
القبائل الجبلية الشّمالية التي استوطنها الأندلسيون يعتبرون اللهجة الأندلسية هي لُغتهم الأم لم يَعْرِفُوا غيرها مثل قبيلة أنجرة التي لا نسمع فيها إلا اللهجة العربية الأندلسية ولا يُخالطها كلام آخر. وقد لا يتّسع هذا الحيِّز الآن لإنجاز مُعْجم لكل الألفاظ الأندلسية المتداولة ببلاد جبالة والهبط، ووَضْعِ تفسيرٍ لِمَعَانِيهَا، ولذلك سنكتفي بتقديم بعض الأمثلة من الألفاظ الأندلسية الجارية على ألسنة أهل قبيلة أنجرة: النوادر، النّْيَق( [52])، النُّقلة، الطبيرة، اللِّنجاص، المجاز، المرج، الكُدية، الجُرْف، الخندق، الدامون، الشرفات، الجنان، الفدّان، الولجة( [53])، الحوز، الوْطَا، الغدير( [54])، الدمالج، الدْقُم، الكرانة، البراطل، البلِّق( [55])، الملاسة( [56])، القُب، البَرْوَق، العزف، البلاط، الزّريعة، النِّيش، المسيد، الدّشار، البرّاني (وتعني الغريب)، العُدوة (وتعني الجانب الآخر من الوادي، وأهل أنجرة يُطلقون على اسبانيا اسم العُدوة إلى اليوم)، ...الخ( [57]).
وكُلُّ من قُدِّر له أن يخالط أهل هذه القبيلة ويتكلّم معهم إلا وقد لاحظ أن الطّابع الأندلسي بارز في كلامهم، ولذلك لما شَرَعَ الباحث الإسباني أَنْخِلِيسْ بِسِنْطِي في دِرَاسَة لهجة أهل أنجرة اكتشف ذلك الأثر الأندلسي الكبير الباقي في الكلام الجاري على ألسنة الأنجريين، فقال عن كتابه: «إنّ الهدف من هذا العمل يتركّز، في مُعظمه، في إظهار الأثر اللغوي للأندلس في بعض لهجات شمال المغرب التي لم تُدرس بما فيه الكفاية حتى الآن، ويتجلّى أسَاسًا في الدِّراسة العِلمية التي تناولناها عن بعض اللهجات الأكثر قدامة بالبلد المجاور (المغرب)، مثل لهجة أنجرة»( [58]).
ومِنْ خصائص اللّهجة الجبلية: الإمالة، وهي انقلاب الألف "يَاء" في نطقهم لعدد من الألفاظ، وقد بقي أثر الإمالة في كلام أحفاد الأندلسيين الذين استوطنوا شمال المغرب، فعندما زار الحسن بن مسعود اليوسي بلاد جبالة لاحظ في كلامهم هذه الإمالة، فقال: «ومن جُملة ما اتفق لي في هذه السّفْرَة إلى جِبَالِ الزَّبِيب، وسفرات أخرى لزيارة الشيخ عبد السلام ابن مشيش -رضي الله عنه-، أني سمعت لغة لأهل تلك الجبال يكسرون آخر الموقوف عليه، فتتبعتها استقراء فوجدتها لها ضابط. وقد رأيت غيرهم من أهل الآفاق يسمعون عنهم ذلك فيحكونه على غير وجه، وينسبون إليهم ما لا يقولون جهلا منهم بضوابطها، فإنهم لا يكسرون إلا الفتحة بعدها ألف... فإن العوام من غيرهم يقولون في الموقف على هذه: البقرا والشجرا، بألف، وهؤلاء يَكْسِرُون فيقولون: البقْرِي والشّجْرِي، وتنقلب الألف ياء»( [59]). ومن خَصَائص لهجة أنجرة أيضا نُطقهم القاف كَافاً( [60]).
4 - الأنْدَلُسِيُّونَ فِي بِلاَدِ جْبَالَة
لعلّ المجال المتاح الآن يضيق عن تخصيص دراسة تشمل الأثر الأندلسي في جميع مجالات النشاط الإنساني في جميع قبائل جْبالة، ولذلك سنكتفي - في هذه الدراسة - بالكلام على أُصُول سُكّان تلك البلاد وعلاقتهم بالأندلس، والقبائل التي تشملها الدِّرَاسَة هي: الفحص (فحص طنجة)، والغربية، بني مصوّر، جبل حبيب، وَادْرَاس، بني يدر، بني عروس، بني يسف (أو يوسف)، سماتة (أو سُوماتة)، الساحل، ....وغيرها. وقبل أن ننتقل إلى الكلام على الأصول الأندلسية لسكان هذه القبائل، نُشير إلى أن الأسر الأندلسية التي تحمل لقب "الأندلسي" موجودة في جُلِّ القبائل الجبلية والهبطية ولاسيما في بني مصور، وجبل حبيب، وسُوماتة، وبني يسف( [61]).
- قبيلة الفحص: ونعني فحص طنجة، وهو أشهر فُحوص شمال المغرب، ويشتمل على المنطقة السّهلية التي تمتد جنوبيّ المدينة حتى وادي تهدّارت تتخللها بعض التلال والرّوابي، ومِنْ قُرَاهُ الأندلسية: الديموس، وشرف العقاب، وبْرِيْش... وقد استوطنه الأندلسيون قديما واتخذوا من أراضيه عَرَاصِي ومَزَارِعَ لهم، وقد ازداد عددهم بعد احتلال طنجة من قِبل البُرتغاليين عام 876 ﻫ/ 1471 م وخُروج أهلها إلى الفحص وأنجرة. ولم يُتَحْ لي أن أقوم بجمع أسماء العائلات الفحصية التي تتحدّر من الأندلس، ولذلك لا أُثْبِتُ هُنا إلا ما تلقّيتُه بشكل مُؤَكّد من بعض الأُسَر وما ظهر لي من خلال دلالة بعض الألقاب التي تحملها عائلات مثل: الفَحْصِي، والديموسي( [62])، وابن سلاّم، والخمّال، والبكدوري، والجبيلي، والمنيسار (المنيصار)،... وينبغي أن أُذَكِّر أنّ كَلِمَة "الفحْص" من الألفاظ الأندلسية المتداولة بالمنطقة، ولكن لا يُراد بها المعنى اللُّغوي الفصيح للكلمة، ولذلك كان بعض المشارقة يستشكل عليهم مَعْنَاهَا الأندلسي، يقول ياقوت الحموي: «بالمغرب من أَرْضِ أندلس مواضع عِدّة تُسَمّى الفَحْص، وسألت بعض أهل الأندلس: ما تَعْنُونَ به؟ فقال: كُلُّ مَوْضِعٍ يُسْكَنُ سهلا كَانَ أو جَبَلاً بشرط أن يُزرع نُسَمِّيه فَحْصاً، ثم صَارَ عَلَماً لعِدّة مواضع»( [63]).
- قبيلة جبل حبيب: لهذه القبيلة علاقة قديمة بالأندلس، وحبيب الذي لا يُذكر جَبَلُ القبيلة إلا مُضَافًا إليه هو: حبيب بن أبي عبيدة بن عُقبة بن نافع الفهري، حفيد فاتح المغرب، وترجم له الحُمَيْدِي، فقال: «حبيب بن أبي عبيدة، واسْمُ أبي عبيدة مُرّة بن عُقبة بن نافع الفهري، من وجوه أصحاب موسى بن نصير الذين دخلوا معه الأندلس، وبقي بعده فيها مع وجوه القبائل إلى أن خرج منها مع من خرج إلى سُليمان بن عبد الملك. ثم رجع حبيب بن أبي عبيدة بعد ذلك إلى نواحي إفريقية، وولى العساكر في قتال الخوارج من البربر، ثم قُتل في تلك الحروب سنة ثلاث وعشرين ومائة»( [64]). وقد وَصَفَ الحسن ابن الوزّان هذا الجبل، فقال: «جبل حبيب: في هذا الجبل ستة قُصور أو سبعة، يسكنها أُنَاس كِرَام مُحْترمُون. وذلك أَنَّهُ بعد سُقوط طنجة في يد البرتغاليين جاء عدد كبير من أهلها إلى هذا الجبل واستقروا فيه، لأنه على مسافة خمسة وعشرين ميْلا من مدينتهم»( [65]). وقَبْلَ أن تأوي إلى هذا الجبل جالية طنجة التي أُرغمت على الخروج من بلدتها سنة 1471 م، وكانت تضمّ عدداً من الأسر الأندلسية، كانت جالية غرناطية كبيرة قد لجأت إليه، وإلى قبيلة بني مصوّر، وبني يدر، ووَادْرَاس. ولم يَسمح لي الوقت حتى الآن أن أُنجز لائحة بأسماء الأسر الأندلسية التي تستوطن جبل حبيب، غير أنّ المشهور منهم هم أولاد الأندلسي، وأولاد الرُّوسِي، وأولاد المتني، وأولاد دبُّون،... وغيرهم.
- قبيلة وادي راس: يذكر الحسن ابن الوزّان أن أهل وَادْرَاس كان لهم إسْهام متميِّز في الجهاد بالأندلس، وسمى أحد أبطال هذه القبيلة الذي حارب النصارى في وقعة العقاب حتى أكرمه الله بالشّهادة، قال: «وادراس: جبل شاهق بين سبتة وتطاوين، يسكنه رجال ذَوُو شجاعة فائقة بَرْهَنُوا عنها بجلاء في الحروب التي دارت بين ملوك غرناطة ومُلُوك إسبانيا، فكان هؤلاء الجبليون يذهبون متطوعين إلى غرناطة ويقومون بما لا يقوم به كل جنود أولئك الملوك مجتمعين. وإلى هذا الجبل يعود أصل المدعو هلولي( [66]) الذي شارك في معارك ضارية ضد الإسبانيين، ويتداول الناس في بلاد افريقية والأندلس قِصَصًا شعبية نثرية وشِعْرِيّة تُشِيدُ بانتصارات هذا البطل، مثلما يوجد في ايطاليا من قصص بطولات رُولاند. وقد قتل هلولي في حرب اسبانيا لما انهزم يوسف الناصر [الموحدي] قرب قصر في قطلونيا يُسَمِّيه المسلمون قصر العقاب، حيث قتل عشرة آلاف محارب من المسلمين، ولم ينج إلا الملك في قلة من أتباعه، وذلك عام 609 للهجرة، الموافق لعام 1160 للميلاد. وبعد هذه الهزيمة للمُسلمين أخذ النّصارى يحققون انتصارات في اسبانيا، إلى أن استردوا كل المدن التي كانت بيد المسلمين. وقد مرّت على هذه الهزيمة 285 سنة هجرية قبل أن تسقط غرناطة بيد ملك اسبانيا»( [67]). ومما يُسجَّل في علاقة أهل وادراس بالأندلس أنه كانت لهم عِنَايَة كبيرة بِنَسْخِ كُتب الأندلسيين، ولا يزال لبعض مُنتسخاتهم الأندلسية بَقِيّة بخزانة القرويين بفاس( [68]). وقد لاذت بهذه القبيلة العديد من الأسر الأندلسية من أهل الجزيرة الخضراء وأَنْدَرَاش وأهل بعض القُرى الغرناطية والمالقية، ولم أتفرّغ لجمع أسمائهم حتى الآن بيد أنّ ألقاب بعض العائلات تدلُّ على تحدّرهم من أصول أندلسية مثل: سلمون، وابن تاويت، والرّنبوق، واسْطيطو أو اسْتيتو، الزربوح، ومجاهد،...
- قبيلة بني مصوّر: استوطن هذه القبيلة عددٌ من أهل الأندلس الذين نزحوا إلى المغرب. ومِنْ بني مصوّر أيضا خرجت إحدى أبرز العائلات المُجَاهِدَة التي قاومت الاستعمار البرتغالي والإسباني والإنجليزي لمدن الشمال في القرن العاشر والحادي عشر الهجريين، وأعني عائلة بوليف (أو أبو الليف كما كان يُرسم اللّقب قديما)، وهي عائلة أندلسية( [69])، نَزَحَت من غرناطة وكوّنت تجمعا في قبيلة بني مصوّر وجبل حبيب وعين قصاب، وأهم تجمّع لهم يوجد بقرية بُولِيفْش بقبيلة بني مصوّر، ومن أبرز مُجَاهِدِي هذه الأسرة: المجاهد المقدم محمد بن الحسن بُوالليف الذي استشهد عام 1002 ﻫ( [70]). وعدا أولاد بوليف، توجد بقبيلة بني مصوّر العديد من الأُسَر ذات الأصل الأندلسي، منهم: أولاد الأندلسي أو الأندلوسي، أولاد ابن عطية (أولاد بوعطية)، أولاد بكُّور، أولاد أجانا، أولاد بُوحْديد... وغيرهم، وجميعهم من مهاجرة غرناطة.
وينبغي أن نُنَبِّه إلى أن كلمة "أولاد" مصطلح يُفيد البيت أو الأسرة، وصار معناها في كلام العامة مرادفا لكلمة "بنو"، وقد بُدئ في استعمالها في العصر الغرناطي الأخير، استعملها مُؤَلِّفُ "نبذة العصر" والقنطري في "تكميل أزهار الرياض"، وغيرهما.
- قبيلة بني يدر: وهي قبيلة مُجَاورة لمدينة تطوان، وقد أَوَى إليها عدد من الأندلسيين، أو السبتيين ذوي الأصل الأندلسي. وأشهر أُسرة أندلسية قطنت قبيلة بني يدر هم أولاد النَّقْسيس( [71])، وأهم تجمع لهم يوجد بقرية النقاقسة. وقد تزعّموا الجهاد ضِدَّ الإسبان المحتلين لمدينة سبتة، وحكموا تطوان وأحوازها رَدْحًا مِنَ الزمن. وفي القبيلة اليدرية بيوتات عديدة للأندلسيين منهم: النقاقسة المذكورون، وأولاد الرُّنْدِي، وأولاد شقّور أو شقّارة،... وغيرهم كثير.
- قبيلة بني كرفط: استوطنها الأندلسيون الذين نزحوا من غرناطة، وأشهرهم أسرة غيلان. ومن هذه العائلة خرج الرئيس الخضر غيلان الذي حارب البرتغاليين والإنكليز المحتلين لطنجة عُقُودا من السِّنِين( [72]). وهُمْ شُرفاء ولهم زاوية( [73])، ومواطنهم في قبيلة بني كرفط هي قُرى: الصخرة، والخطوط، ودار القرمود،... وغيرها. ولأسرة غيلان بُيوتات عديدة في طنجة وتطوان وأزيلا.
- قبيلة بني عروس: أَوَى إليها العديد من أبناء الجالية الأندلسية، كما عَرَفَتْ القبيلة مَوْجَة من الاستيطان الموريسكي بعد احتلال مدينة العرائش مِنْ قِبَل الإسبان عام 1610 م، فقد اضطّر أهلها - وكانوا في غالبيتهم من الموريسكيين - إلى الخُروج إلى القبائل المجاورة كبني عروس الذين يُنسب إليهم تعمير المدينة في القديم إذْ كانت تُعرف بعرائش بني عروس، ومما يمكن أن نعتبرهُ مِنْ أثر الأندلس الباقي في بني عروس تَمَيُّز أهلها بفصاحة ألسنتهم العربية، وحفظهم لموازين مُوسيقى الآلة الأندلسية( [74]).
- قبيلة سماتة (سوماتة): علاقتها بالأندلس قديمة، انتهت إلى الصفاء بعد عُقُود من الجفاء. ومن حُصون سُماتة التي لعبت دورا في التاريخ المغربي الأندلسي "قلعة حجر النسر" التي تمكّن الأندلسيون - بعد حروب طويلة على الحسن ﮔﻨﻮن - أن يَضُمُّوهَا إلى ولايتهم في القرن الرابع الهجري( [75]). وقد أعقب ذلك هجرة عدد كبير من السُّوماتيين إلى الأندلس، وفي كُتب التّراجم الأندلسية ذِكْرٌ لمن نبغ منهم في ضرب مِنْ ضُروب المعرفة.
- قبيلة بني يسّف (بني يوسف): وهي من القبائل التي نزلها الأندلسيون المهجّرين، ويمكن أن نلمس أثر ذلك في أسماء مداشرهم، ففي قبيلة بني يسف نجد قرى: الحمّة (أو حمّة الشرفاء)، الجبيلة، الريحانة، القصبة، الجزيرة، العنصر، فدان الجبل،... أمّا فيما يتعلّق بسُكّان هذه القبيلة، فإنّ نسبة منهم جاءت من الأندلس، ومما يُقَدّم كمثال على ذلك: «البُوطِيون، الذين هَاجَروا من الأندلس أيام المرينيين، وقصدوا مُرّاكش ثم أتَوْا إلى حمّة الشرفاء ببني يوسف، ومنها انتقلوا إلى مدشر الجبيلة»، حسبما هو مُثْبت في شجرة النّسب البوطي( [76]).
- قبيلة الغربية : استقبلت قبيلة الغربية أفواجا من مهاجرة الأندلس. ويذكر المؤرخ ابن عزوز عائلة "الغربي" التي نزحت من الأندلس سنة 1502 م، واستقرت بشمال المغرب. إلا أن هذه العائلة قد تكون منسوبة إلى منطقة الغرب بالأندلس التابعة حاليا لدولة البرتغال( [77]).
- قبيلة الساحل: تقع قبيلة الساحل بين أصيلة والعرائش، وقد سكنتها أسرٌ من الجاليات الأندلسية التي وفدت على المنطقة الشمالية للمغرب، ثم انضمّ إلى ساكنتها عددٌ من أندلسيي أصيلة لما سقطت بيد البرتغاليين عام 1471 م، كما عرفت المنطقة مَوْجَة من الاستيطان الموريسكي لما باع المامون مدينة العرائش للإسبان عام 1610 م، فقد اضطر أهلها -وكانوا في غالبيتهم من الموريسكيين- إلى الخروج إلى قبيلة السّاحل وقبائل بني عروس وبني كرفط، ولم يمكث في المدينة إلا فئة قليلة منهم، وتُسجِّل الوثائق الإسبانية أنه «كان بالعرائش عند احتلالها 150 من الموريسكوس المطرودين من اسبانيا، يهتم مُعظمهم بالزِّراعة في الحقول والبساتين وبأعمال البناء فكانوا يأتون بأعمال باهرة في الزراعة والبناء، إلا أنّ أكثرهم لم يكنْ محلّ ثقة الإسبان، فضايقوهم إلى أن لم يبق منهم إلا نحو 30 برهنوا على اتقانهم لمهنة التّرجمة»( [78]). وعموما، فقد كانت هذه البلاد مهوى أفئدة عدد من الأسر الأندلسية، برز دور أفرادها في الجهاد والعلم والتجارة، وقد عرفنا منها عائلات: الروّاس، والعشّاب، والنقّاش، والعطّار، والتويجر،... وغيرهم كثير.
5 - الأندلسيون في بلاد الهبط
ليس هناك تحديد مضبوط لهذه المنطقة غير أنّ مارمول كربخال قد يكون هو أوّل مَنْ فرّق بين جْبالة والهبط عندما جعل قبيلة بني كرفط نهاية بلاد جْبالة( [79]). بلاد الهبط يُعرِّفها ابن الوزّان بما يلي: «ناحية الهبط، تبتدئ هذه الناحية جنوبا عند نهر ورغة لتنتهي شمالا على المحيط، وتُتَاخِم غربا مستنقعات أزغار، وشرقا المشرفة على أعمدة هرقل. ويبلغ عرضها نحو ثمانين ميلا، وطولها نحو مائة ميل. هذه الناحية عجيبة حقا بسبب خصوبتها ووفرة انتاجها، معظمها سهل تخترقه مجاري مياه عديدة. وكانت في قديم الزمان أكثر نبلا وشهرة منها في أيامنا هذه، ففيها مُدُن أزلية، أسس بعضها الرومان، وبعضها القوط». ثم أتى ابن الوزّان بنُبذة عن تاريخ المنطقة، ومن جُمْلة مَا ذكر أن «الحاجب المنصور بن أبي عامر الأندلسي استولى على هذه الناحية في القرن الرابع الهجري»( [80]). وتظل حدود الهبط التي يُقدِّمها ابن الوزّان هنا بحاجة إلى تدقيق ومقابلة بأسماء المواقع الحديثة، وبحسب المستعرب ميشو بللر فإن بلاد الهبط التي حددّها ابن الوزّان كانت تشمل سُهول الغرب وقبيلة الخلوط وجزءا من بلاد جبالة( [81]). ويبدُو أنّ الجزء المقصود مِنْ بلاد جبالة والمحسوب على الهبط هي قبائل: سُماتة وبني كرفط وبني يسف( [82]). وإذا أردنا أن نُمَيِّزَ بلاد الهبط باسم جديد قُلنا إنها "جبالة السُّفلى"، وقد نكون تكلّمنا على بعض قبائلها في الفصل السابق، وبَقِيَ علينا أن نُعَرِّفَ بالقبائل الأخرى، وهي: آل سريف، رُهونة، صرصر، مصمودة، بني زكار، وجميع هذه القبائل تقع في محيط مدينة وَزّان ومدينة القصر الكبير. وقد كُنَّا سنعرف كثيرا عن هذه القبائل لو وصلنا كتاب "الحلّ والرّبط في قبائل وثُغُور أهل الهبط"( [83]) الذي ألّفه أبو عبد الله محمد بن رُش
أحمد- عضو في منظمة الشعب الأندلسي العالمية
- الجنس :
تاريخ التسجيل : 17/02/2012
عدد المساهمات : 7
نقاط الشكر على الجدية الأندلسية : 5
نشاطه في منظمة ش الأندلسي ع : 11
مواضيع مماثلة
» هل دول المغرب على علم بقضيتنا
» طلب معلومات عن أصل قبيلة بني سعيد الغمارية
» قناة (eitb/tv) الأسبانية تحاور أحفاد الموريسكيين في المغرب بشأن المطالب المشروعة
» طلب معلومات عن أصل قبيلة بني سعيد الغمارية
» قناة (eitb/tv) الأسبانية تحاور أحفاد الموريسكيين في المغرب بشأن المطالب المشروعة
منظمة الشعب الأندلسي العالمية World Organization of Andalusian People :: الترحيب والتحميلWELCOME AND DOWNLOADS- BIENVENIDA Y DESCARGAS-BIENVENUE ET TÉLÉCHARGEMENTS :: اسأل عن أصلك الأندلسي - Respuestas: su ascendencia andaluza - Answers: your Andalusian ancestry – Réponses: votre ascendance andalouse
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024, 12:57 من طرف محمدي بن يحي
» حمل المئات من كتب النحو والصرف والإعراب (أمهات الكتب)
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024, 12:55 من طرف محمدي بن يحي
» ألقاب عائلات أندلسية في الجزائر
السبت 24 أغسطس 2024, 02:42 من طرف أ. د. جمال بن عمار الأحمر
» Ansys Electromagnetics Suite 2024 R1
الثلاثاء 27 فبراير 2024, 02:43 من طرف dlhtserv
» لقب: خلـــيفة، بالشرق الجزائري
الجمعة 06 أكتوبر 2023, 23:06 من طرف أ. د. جمال بن عمار الأحمر
» مسرحية (ولادة)، علي عبد العظيم (نالت الجائزة الأولى للتأليف المسرحي من وزارة الشؤون الاجتماعية، بمصر)، 1948م
السبت 05 أغسطس 2023, 17:22 من طرف أ. د. جمال بن عمار الأحمر
» WSDOT BridgeLink v7.0.1.0 English 64-bit
الجمعة 19 مايو 2023, 14:52 من طرف dlhtserv
» UniSoft GS UniSettle v4.0.0.58 English 32-64-bit
الجمعة 19 مايو 2023, 14:50 من طرف dlhtserv
» UniSoft GS UniPile v5.0.0.60 English 32-64-bit
الجمعة 19 مايو 2023, 14:48 من طرف dlhtserv